وعلى الارض السلام

أ. طانيوس منعم




وعلى الأرض السلام…
الطبعة الثانية




©جميع الحقوق محفوظة©









مقدمة الطبعة الاولى
للشَيخ عبدالله العَلايلي



هذا الكتاب بعض حرفه أُرصد للخير، وبعض حرفه عُقِد للعمل الطيّب، وكان هذا كله، لأنه جاءَ خالصاً لوجه الإِنسان في معنى كرامته، في مغزى تضحيته، ونبل آلامه، في كبرياء صبره، وعنفوان احتماله، في مذهب خلاصه.. وهذا الأبيض المتوهج في معتَنَقِ الآفاق والدروب سنا فجره، « غرَّدَ الطيرُ فنبّه من نعس ».
فكان من حق هذا الكتاب عندي أن أقولَ فيه قولاً كَريماً لأنه عملٌ كريم، وأن أقول فيه أيضاً لأنه من رجلِ معبدٍ شاءَ أن يمشي به في الناس، ليفضحَ الكذَبة والفرّيسيين 1، ولم يختزل مقامه في مدرجة الى جانب الطريق حيث يقبع العاجزون هناك في ظلال الدعة، ففي منطق الحياة دعوة الى النضال الجاهد، وفي منطقها دعوة أُخرى الى التقحّم المارد ومن قبضَ يده عنهما قبضت الحياة يدها عنه لتقول: إِنه ليس من أبنائها. إِن وجوده شيء كالزور، أي إن وجوده شيءٌ كالجريمة.
وفوق هذا وهذا، أقول فيه أيضاً، لأنه من رجل تشدّني اليه جامعة مَهمَّة رسولية.. ان يكن طرَفُها عنده صِنوَ فوج الورد، فطرَفُها عندي صِنوُ نقائه، ومن ذا يفصل فوحاً عن نقاء ثم يبقى الوردُ عنده الا حكاية.
نعم كان من حقه عندي أن أقول فيه كثيراً، فقد أصاب من اهتمامي قدر اً خرج بي، ولو لهنيهة، من عزلتي اللغوية التي أنا بسبيلها.. وعلى أني أردتُها عزلة قاسية صارمة لا أزحزح من جنباتها الا لما يتصل بها من قرب، كان لهذا الكتاب أن يفتحها عليّ، وليس هذا فقط بل أن يُغريني به اغراءً لم أملك عنه منقلَباً، الا لأجدني محمولاً من حالٍ الى حال.
لأجدَني فجأة وسط هتاف الجماهير المُرعِدة هنا وهناك، في وجه الذين يصنعون المأساةَ الحيَّة، ويدبّرونها، متآمرين بالجمالات الإِنسانية، وكل ما اعطت وتُعطي من حضارةٍ وتاريخ.
ان الذين يرفعون معالم وجودهم بآلة الحرب، انما يرفعونها على الأشلاء والدموع، وصوت التاريخ القريب من ورائهم يؤكد بلهجته الساخرة: ان قطرة دمع الى قطرة دمع سيل جارف، وانَّ شلواً يتنزَّى الى شلوٍ يتنزّى زفرة هي زفرة البركان.
في الجماعة الإِنسانية اليوم مفهومان: مفهوم يضعها موضع التدجين، يطلب اليها عطاءَه الفراء والكساء واللبن والغِذاء.. ومفهوم يضعها موضع رغباتها الحيَّة المتطلّعة ويمدّ لها في مجالات امانيها المتطورة.. ومع ذلك يريدونك ان تختار.
وهل بين ان تكون انساناً سويّاً كما صنعتك يدُ الله وبين ان تكون من سَقَطِ المَتاع، كما تشاء ايديهم ان تضعك، محلٌّ للاختيار!؟
اؤكّد ان في المشكلة المطروحة غباوة، واؤكدّ ان الغباوة ليست في صفوفنا نحن الشعوب.
اذكر أني قرأْت قديماً حكاية الارجل الصينيّة المحدَّدة، وكيف كان يُعمد الى رجل الوليد فتُنزَّل في حذاءٍ حديدي، و ينمو الوليد، ويظل الحذاء حيث هو من الرجل، وتظلّ الرجل حيث هي من الضمور، وكلّ ذلك ذَهاباً مع رغبة جمالية على ما زعموا.
أَلحَّت عليَّ حكاية هذه الأَرجل المحدَّدة الحاحها السافر، وانا ادير طرفي في جنبات عالمنا العربي، وفي طبيعة الوسائل التي نستصنعُ بها هنا وهناك، فاذا انا من حكاية الحذاء الصيني في كل مذهبٍ عندنا.. كان لنا انقلابات، وكان لنا تحركات إِصلاحية، وكان لنا اشياء بين هذه وهذه، ولكن جاء كلها في مثل الحذاء الصيني يظل حيث هو من الرجل، وتظل الرجل حيث هي من الضمور.
وما كنت اظن ابداً ان يدَ المستعمِر قد مسَّت بهذا الداء الصيني بعض الرءوس، حتى سمعت بيننا من ينادي بـ »دفاعٍ مشترك »!
في هذا الكتاب بالذاتِ ستقرأُ: « تناهى يوماً الى سمع العمال الذين يكافحون الحرب ويعملون للسلام أنَّ في المحطة قطاراً فرنسياً محمَّلا بالأسلحة، في طريقه الى « الفيتنام »، فاتفقوا عازمين على نسف الخط الحديدي، كيلا تصل الأسلحة الى جبهة القتال، إنقاذاً لحياة إِِخوانهم من البشر هناك، وعلم ناظر المحطة بما سيكون من أمر القطار، فحثَّ السائق على الإِقلاع به قبل الأوان. ولما فات عليهم ما انتوَوا عمله، وضاقت بهم الحيلة، اذا بفتاةٍ من أنصار السلام 2 تنسَلُّ مُسرعة من بينهم، فتُلقي بجسمها ممدَّداً أمام القطار، ومثلَها فعل رفاقُها، فتمدّدت جسومهم إِزاءها واحداً في إثر واحد .. وهكذا أوقفوا قطار الأسلحة في محاولةٍ منهم لإِيقاف التقتيل ومقاومة الحرب.. »
فما أظنُّ، وقد دُفِعْتُ الى الوقوف أمام هذه الكبرياء، كبرياء الإرادات الكبيرة المصمِّمة، إلا واثقاً من ان قضية الشعوب هي الغالبةُ وراء كل صراع، وأن مواكب الانسانية المنتصرة أخذت صدرَ التاريخ..





مقدمة الطبعة الثانية



.. في بداية الخمسينات كان هذا الكتاب، وحركة السلام العالمية في أوج كفاحها، والمجتمع الدولي يواجه خطر حربٍ ثالثة في أعقاب حرب، كنا منها لخمس سنواتٍ خلت.
فلم يكن كبير حظٍّ في الانتشار والذيوع والقراءة، لأنَّ الحكم في لبنان آنذاك كان ضالعاً مع سياسة الحرب الباردة، ومتهافتاً امام النفوذ الاميركي وطروحاته السياسية و العسكرية.. فصادرت زبانيته الصحف والنشرات والكتب المنافية لتوجُّهاته. وكان كتاب « وعلى الارض السلام » واحداً منها.
فرأيت اعادة طبعه لتعميم فائدته، والمجتمع الدولي في نهاية السبعينات كما كان في بداية الخمسينات يواجه توتراً دولياً متزايداً، نعايش فيه « حرباً ثالثة » نحن في عشيتها، دونما شعورٍ واضح بها، تهدد سلام العالم، وبخاصة العالم الثالث 3 على امتداده الجغرافي، بثرواته وشعوبه..
ويبدو لكل ذي بصيرةٍ سياسية وبصرٍ بعيد ان « حرباً ثالثة »، باردة او ساخنة، لن تكون اوروبة ساحتها المقبلة. وقد بدأت فعلا على ساحة العالم الثالث على نحوٍ من بؤر حربية صغيرة هنا وهناك، وعلى ضروبٍ من انقلاباتٍ وصراعات..

ان الصراع بين الغرب والشرق 4 صراع تاريخي نشأ معه ما يُسمَّى بـ »المسألة الشرقية » منذ حرب طروادة 5، وما تلاها من حروب، باسماءٍ ومسمَّيات مختلفة. فالحربان العالميتان كانتا صراعاً بين « الكبار » المؤهَّلين لاقتسام العالم بثرواته وشعوبه.. وما زال هذا الصراع مستمراً يحمل في تطوراته، وفي متغيِّرات اطرافه، بذور الحرب، ونحن منه في مرحلة تاريخية، تطول او تقصر، هي مرحلة الحسم: حسم الصراع التاريخي بين الامبريالية العالمية وحلفائها، وحركة التحرر الوطني العالمية وحلفائها بمختلف فصائلها وتنظيماتها. ويندمج في سياق هذا الصراع، صراعٌ بين الصهيونية والقومية العربية.. وأزمة لبنان، وأزمة الشرق الاوسط، وأزمة ايران.. حلقات في سلسلة هذا الصراع.
فالنضال في سبيل سلام عادل قائم في مرتكزاته الاساسية على احترام حريات الشعوب، واستقلالها الوطني: سياسةً وثقافةً واقتصاداً، من شأنه اعانةُ هذا الصراع في اتجاهه الحاسم لمصلحة الشعوب، اي اعانته في احداث تغييرات جذرية في موازين القوى: قوى السلام ضد قوى الحرب..
في هذا الكتاب تتعرف الى فضائل السلام كما تتعرف الى مقابح الحرب. فالسلام على الارض أُمنية البشر منذ كان البشر.. ومنذ ان فسَق بها وافسدها أبالسة البشر.
ا. طانيوس منعم
1978





وُلدت في الحَرب الأُولى


 
 
ربيت، وفي نفسي شعور بالألم وثورة على الظلم والظالمين.. وكانت الحربان بما عاينتُه وكابدتُه منهما حافزاً لي علىالعمل من اجل السلام..
 
وُلدت في مطلع الحرب العالمية الأُولى 6، وسنواتُها من عمر طفولتي  المريرة البائسة سنواتٌ  أربع.
وإذا كانت لم تُفقدني حياتي فقد أفقدتني قطعة من كياني، أعزَّ شخصٍ لدي، أُمي.. فحُرِمت حنان الأُمومة الى الأبد.
من حظي السعيد أنها لم تقضِ عليّ، ولكنها قضت على غيري من أطفال قريتي ووطني، فمات من مات من أمهاتٍ وآباء وشيوخ وشباب.. وانقشعت غيومها المدلهمة عن كوارث، ومآسي، وخرائب في قريتي ووطني.
في ذاكرتي، مما هو ماثلٌ مُثول الأَشباح المخيفة ما قصَّه عليَّ والدي وجدتي وأعمامي، وأنا طفل، من حكايات تلك الحرب:
أناسٌ ماتوا كالحيوانات السائمة في الدروب والمسالك، فأكلت الطيور لحمانهم، وتناهشت جثثَهم الوحوش. عظام انتزعها الجائعون من بين أنياب الكلاب، ومن بين رَوث الأَبقار والبهائم التقطوا حبوب الشعير، ومن تحت التراب نبشوا الجثث الميتة لتكون لهم طعام المأكل.
حكايات مُثيرة مُرعبة، سمعتها طفلاً، وقرأتها شابّاً 8 وشاهدت آثار الحرب في بيوتٍ مهدَّمة على أنقاضها، في قريتي ووطني، خلت من ساكنيها إما لهجرةٍ، هرباً من جوع، وإما لموتٍ من جوع ووباء..
وكلَّما تذكرت أمي، وقد قصفتها الحرب في ريعان شبابها وريِّق أمومتها، او وقعت عيني على الخرائب في قريتي، وجدتني في حقدٍ وموجِدة على الحرب، ومُشعليها. وربيت، وفي نفسي شعور بالألم، وثورة على ما يُصنع لنا من بؤس الحياة وعلى الظلم والظالمين.
هذه الثورة في البدء لم تكن في وعيٍ من نفسها، لأنَّ أَسباب الحرب وأسباب البؤس كانت في عاقلتي غائمة المفهوم، غير واضحةِ المدلول، حتى تعهَّدتْها الثقافة صقلاً وزادتها التجارب وضوحاً، فاذا هي تعصف في فكري، وقلبي ومشاعري.. وتقودني الى حيث يكافح المتألمون من بني الانسان. لقد اتَّضح الهدف فاستقام السبيل.
وكثيراً ما ساءلت نفسي كمن يريد ان يستيقِن من صحّة النهح الذي ينهجه في الحياة، فلم يكن في الجواب ما يدعو الى ارتياب في نبل ما أعمل له وأسعى اليه من هدفٍ إِنساني، كاهناً أَنارت طريقه تعاليمُ الدين النقية، وعلمته حبَّ الانسان، كل انسان، والقت اليه مسئولية التبشير بالسلام والدعوة الى الإِخاء والمحبة والتعاون بين ابناء الوطن الواحد والأوطان الأُخرى.
لم اذكر أني كنت مرةً ناسياً هذه التعاليم السامية في مسلكي واتجاهي قولاً وعملاً. وقد عمُق في وعيي على ضوء مامرَّت به بلادي وشعب بلادي من ماضٍ مؤلم مرير أن في الحرب خراباً وجوعاً ووباءً، وأن في السلام حياة وسعادة وخيراً لجميع الناس.
في الحرب الاولى عشت طفلاً بائساً، وفي الحرب الثانية كاهناً متألماً، فكانت الحربان بما عاينته وكابدته منهما حافزاً لي على العمل من اجل السلام.

عاش لبنان، كل مراحل تاريخه الطويل، في مأساةٍ جغرافية واقتصادية وسياسية، فاذا هو ممر الغزاة، وساحة حروبٍ متعددة متوالية، استعر جحيمها بين ذوي المطامع: غزاة متوحشون يقتتلون على موارد تراثنا وخيرات ارضنا لنكون في آخر المطاف غنائمَ حربٍ لهؤلاء واولئك.
فمن حروب الاسكندر، وهي أُولى غاراتِ الغربِ على الشرق 9، الى الحربين العالميتين. كيفما استذكرت التاريخ وأجلت فكرك في جوانبه، ترى الهول الفاجع في عيش الناس، يرافق دائماً ركاب الغزاة، وتحضيرات الحرب. فلا تملك نفسك من ذرف الدموع مرةً، وتسعير الحقد مراراً، وانت امام خرائب بيوت، وكوارث هحرة، ومآسي بشر.
لقد تحوَّل لبنان في الحرب الأُولى مقبرةً لساكَنيه ومشنقة لاحراره، طلاَّب استقلاله، وكرامته وحريته. غزت « تركية » معاهد العلم واماكن العمل، واديار النساك، واستولت على الزرع والضَرع. سدَّت منافذ البحر، وطوقت ممرات البر10، فأكلنا الكرسنة والشعير والباقية والترمس والشوفان. أكلنا ما تأكل البهائم، بل ما تعاف البهائم. التهم بعضنا بعضاً من الجوع. أكل الاخ جثة اخيه والأم جثة طفلها، وكانت التجارة بالجثث تجارة رائجة. فرغت الجيوب والبطون، وفرغت القلوب من الشفقة، والمشاعر الإِنسانية، وامتلأت بطون الغزاة وجيوبُهم، واذا كل ما في بيوت اللبنانيين من عتيق وجديد، من أسرَّة وفُرش ولُحف، وحديدٍ وتنك وخيش وخشب وشريط ونحاس وسجّاد، وخيلٍ وبقر، وغنم وماعز، يصادره الغازي التركي المحتلّ لأغراض الحرب. واذا عساكر الأتراك يعيثون فساداً وإفساداً، وجمال باشا السفاح يطغي، يتهدد ويتوعَّد، يُرغي ويزبد، راقصاً على قبور اللبنانيين 11.
والحرب العالمية الثانية، ونحن من نهايتها لثماني سنوات، ألا تذكر آثارها في جزين ومرجعيون والدامور وبيروت وصور وصيدا ومناطق أخرى تناوبت عليها قذائف المحاربين؟! أنسِيت آثار الدمار والحرائق في البيوت والبساتين، وضحايا الأبرياء من أطفالٍ ونساءٍ وشيوخ.
هلاَّ تستذكر عهد بطاقات التموين المقنَّن، وخبز الشعير الأسودِ العفن، عهدَ حرمانك اقلَّ ضروريات الحياة وكمالياتها، عهدَ الخوف من غارات الطيران القاصف، عهد الهلع من الموت المفاجىء، يترصّدك في الشوارع والمساكن والمصانع والمعابد، ليل نهار 12؟! إِستعدْ هذه الذكريات.. ثم فكّر الان، وأمعنِ التفكير على ضوء ما نزل بنا من كوارث الحرب، والحالةُ الدولية الشاخصة مَنبَهةٌ لكل شعب ومَدعاةٌٌ لأن يفكِّر كلّ شعبٍ في مصيره، ومآتي غده، وان يعمل ما وسعه العمل، ليعيش في طمأنينة وسلام.. في منجاة من الموت جوعاً، او قتلاً بمدمّرات القنابل، ومُطلِقات الجراثيم، ونافثات اللهب. في منجاةٍ من حشود احتلالٍ مسلَّح، تتوزع هنا وهناك في القرى والبساتين والحقول والشوارع. في منجاةٍ من ضراوة المعارك حيث تتناثر أشلاء الرجال كأوراق الخريف. من صفّارات الانذار المرعبة، وهي تنتزع الأُم عن وليدها، والوليد من سريره، والعامل من مصنعه، والفلاح من حقله، والمريض من فراشه، والكاهن عن مذبحه، والشيخ من محرابه، ليهرعوا جميعاً على صوت الموت الى كل مخبإ وملجإ 13. هذه هي الحرب بكل اهوالها ومقابحها ومآسيها فهل هي أمرٌ لا بدَّ منه، وحكمٌ مقضيّ به على الجنس البشري، من أزلٍ الى أبد؟
يبدو أن الأمر غير هذا، فليست الحربُ ظاهرةً لازبة، في الوجود البشري السليم، انما هي أمر شاذّ، وظاهرةٌ مرضيةٌ في وجودٍ غير سليم، لأنها مضادّة تماماً لرغبات جميع الناس.. إِلا بعضهم، فاذا كانت تجارة رابحة لهذا البعض فهي لجميع الناس خسارة كبرى مدمِّرة، نهيُك من كونها جريمةً عظمى ضدَّ الدين والأخلاق والانسانية.

أساس الدين المحبّة، وعماد المحبة السلام، فمن تؤذِه لا تُحِبَّه، ومن تُحِبَّه تسالمْه، ومن تحرُبْه لا تكنْ معه في سلام. « اذا لم تكن فيَّ المحبة فلستُ إِذن شيئاً » 15، « إِسعوا في اثر السلام واختاروا جهادكم « 15، « لزوالُ الدنيا أهون عند اللّه من دمٍ يُسفك بغير حق » 16
فاذا كان هذا هذا، وانا رجل دينٍ مؤمن، والسعيُ في إثر السلام جهادٌ مختار، فأين هو موقفي من قضية السلام المطروحة؟ إني لست شيئاً اذا لم اخترْ جهادي، ولم تكن فيَّ المحبة التي هي معنىً من معاني السلام، او هي جوهر السلام وعمادهُ. واذا كان هذا هذا، فاني أضع أيَّ اعتبارٍ ديني وأخلاقي وانساني فوق أيّ اعتبار سياسي، مستلهماً ديني وايماني في كل ما اكتبُ واعمل وأعظ من اجل السلام.. مناضلاً كل فِكرة تدعو الى الحرب، الى القتل وسفك الدماء، مدافعاً قولاً وعملاً عن كل سياسةٍ تُهدف الى حلّ مشاكل المجتمع الإِنساني المعقَّدة بالتفاهم والتفاوض والحوار والحُسنى « وأصلحوا ذات بينكم بالحسنى » 17
ان المحبة والسلام هما أساسُ الحياة المشتركة بين جميع الناس، وفي جميعِ الأَوطان، دونما نظرٍ الى الفوارق، دينيةً وقوميةً، سياسية ولغوية.
إن قناعتي الراسخة بكل هذا، لَتسمح لي، بل تغريني إِغراءً بأن أكون في صفوف المدافعين عن السلام، والمقاومين للحرب، مكافحاً كل من يتَّخذ العنف والقسوة والحرب وسيلةً لحلِّ مشاكل هذا العالم والإِساءَة الى انسانيته وحضارته.
ان السلام كفكرة، وكشكلٍ من اشكال الكفاح ضدَّ أبالسة الحرب، وكأسلوب للتعاون والتحابّ بين جميع الناس هو أقدس أماني الشعوب. وان التاريخ ليضع أمام جميع الشعوب مَهمَّة سامية نبيلة، نابعة من الدين كما هي نابعة من مكارم الأَخلاق، هي العمل لتأمين سلام وطيد طويل الأَمد يتلاءَم مع مصالحها الحيوية وحريتها، وكرامتها البشرية.





لاَتقتُلْ 18



وصية آمرة ناهية، يحترمها كُل ذي ضميرٍ دينيي، وكل ذي قلب نابضٍ بالحسّ الإِنساني السليم
 محتوى الوصيةِ هذه نهيٌ الهي عن القتل، عن اماتة أجساد الناس، عن تصفية أجسادهم وازالة وجودهم، فالإِنسان مخلوق الهي لا يمتلك بشريّ حقَّ ازالته من الوجود.
وصيّة تعلَّمناها اطفالاً في البيت والمدرسة، ووعظنا بها كهنةً ومعلمين ومرشدين؛ وبها نهينا عن كل اساءَة الى الإِنسان في وجوده وحياته واخلاقه وروحه، وممتلكاته. والقتلُ في احتوائه أنواعَ هذه الإِساءة جريمة شائنة تشوِّه صورة اللّه في الانسان المخلوق للحياة، للسعادة، للخير للجمال، لأنه صورة الحالق العظيم الذي هو حياة وسعادة، وخير وجمال. فما شاهدت مرةً أعمالاً تخالف هذه الوصية إِلا رأيتُني مدفوعاً بشعورٍ ديني وإنساني الى مقاومة هذا القتل في منافاته للدين والمحبة والسلام، والإِخاء البشري.
وهنا سؤال يطرح نفسه على هؤلاء الذين يقتلون الناس، في ما يثيرون من منازعاتٍ وحروب:
هل نهى اللّه في وصيته: « لاتقتل » عن القتل بالمفرد دون الجملة؟ اي هل نهى عن قتل انسانٍ واحد، وبارك قتلَ الألوف والملايين؟
كلا، يا أبالسة الحروب، والفتن!
ان اللّه نهى عن قتل الناس، عن جميع أنواع القتل مفرداً وجملة، اي نهى عن الحروب التي هي تقتيلٌ للناس وإبادةٌ لهم بالجملة. وتقتيلُ الناس، بالمفرد والجملة، منافٍ لمحبة اللّه والقريب.
وليست الوصيةُ سَالبةً فقط بل هي موجبة ايضاً، فهي إِذ تنهى عن القتل تأمر بالمحبة، والإِخاء والسلام.
ان الوصية التي تأتي في رأس النواهي الإِلهية هي نهيٌ إِلهي عن الحرب، وأمر إِلهي بالسلام والمحبة.
لكن هذه الوصية، بما لها من جلال باذخ، لم تخرج -مندُ نُزِّلَت- عن كونها وعظاً ناهياً عن قتل الناس، في محاريب المعابد. وما استطاع هذا الوعظ الناهي الثرثار ان يزحزِح كميَّة تافهة من اقوياء المال والسلاح عن إرادتها في التقتيل والإِبادة، كما ان هذا الوعظ الناهي لم يكن منجاةً من القتل للألوف والملايين من البشر، خلال تاريخهم الطويل.
وها هي اليوم علامةُ الزمان.. زمان ان تصبحَ الوصية: « لا تقتل » شعاراً تاريخياً بارزاً لحركة انسانية عالمية، وعملاً نشيطاً واعياً لمئات الملايين من الناس التي لا تريد ان تموت في الحروب كما لا تريد ان تموت من الجوع والوباء. فتغدو الوصيةُ الآمرة الناهية والوعظ الناهي الآمر واقعاً حياً في عيش الناس، كما شاء الله والرسل والأنبياء.. « لا تخف ايها القطيع الصغير فقد سُرَّ أبوكم ان يعطيَكم الملكوت ».
و »القطيع » البشري الذي اصبح اليوم كبيراً وكبيراً جداً، وهو يرغب في الدخول الى ملكوت السلام في الأرض، قد علَّمته تجارب التاريخ ان رغبته المستسلِمة في السلام لا تستطيع ان تنقذه من الحرب، فعزم ان يصنع السلام صنعاً. وهذا السلام بالاضافة الى كونه واجباً دينياً، هو ايضاً واجب وطني، ومجال العمل لصنعه وتوطيده وصيانته، في الشارع، والمعمل، والقرية، كما في البيت والمدرسة والكنيسة والجامع، في جبهة الفكر والسياسة كما في جبهة الدين والأخلاق.
ان السلام في حاجة الى تعبئة قوى السلام، قوى الخير والمحبة، في حاجة الى حشد جميع امكانات هذه القوى، للدخول في صميم الكفاح العالمي ضدّ الحرب لإِنقاذ الانسانية والحضارة من الخراب والدمار.
« لا تقتلْ » نزلت من السماء الى الأرض أمراً ونهياً في فم اللّه، لتكون في زمانِها هذا، وفي علامات هذا الزمان واقعاً محقَّقاً في كفاح الألوف والملايين من الناس، في أفواهها، في طبيعة حياتها، في رأس أهدافها، لتسمو بالأرض الى السماء.





المسيح ومحمد نصيرا سلام



 
 
« طوبى لصانعي السلام، فانهم أبناء الله يُدعون »
(الانجيل الشريف)
« وتعاونوا على البرّ والتقوى ولا تعاونوا على الاثم والعدوان »
(القرآن الكريم)



المسيحيةُ والاسلام، في الجوهر والغاية، دينُ سلامٍ وإخاء، وتعاون ومحبة. فقد طوَّب السيد المسيح صانعي السلام بقوله: « طوبى لصانعي السلام فانهم ابناءَ اللّهِ يُدعون ». فكلمة « السلام » في القاموس الديني والسياسي والاجتماعي، هي نقيضُ كلمة « الحرب » التي هي، في القاموس الديني والاجتماعي والسياسي، قتل واعتداء، وسلب وحرمان.
فليس « للسلام » لون غير لون السلام الذي هو نقيض الحرب، وليس « للحرب » لون غيرُ لون الحرب التي هي نقيض السلام.
فالسلام نفي للحرب، والحرب نفي للسلام. والتلوين في كليهما تزوير، وتضليل من ذوي النيّات الخبيثة لذوي النيات الحسنة
والسلام، بحسب منطوق الآية الانجيلية الشريفة انما هو مما يُصنع صنعاً ويُؤخذ أخذاً، وليس مما يُترقَّب ترقباً، ويُعطى عطاءً، ويُلتمَس التماساً، وليس هو محبةً حالمة ساذجة، او رغبة مائعة مستسلمة انما هو عمل وجهاد وكفاح وتبشير: « ما أجمل أقدام المبشرين بالسلام »، والذين يصنعون السلام في الأرض، ويناصرون صانعيه، فقد سمَّاهم رب السلام « أبناء الله ».
فأنصار السلام في الأرض هم « أبناءُ اللّه » في الأرض، وهذا هو لونُهم، في حقيقته الناصعة، حقيقة الانسانية المجاهدة لحماية نفسها من التشويه والتزوير وانقاذ حضارتها من الإِفناء والتدمير.
انهم اولئك الذين يأبى عليهم دينهم، وشرفهم، وتأبى عليهم كرامتُهم الوطنية، ونوابضُ الحياة في كيانهم، وجوداً وبشراً، ان يهادنوا سفَّاكي الدماء محترفي صناعة التقتيل والإِبادة، او ان يسمحوا لهؤلاءِ بانتزاع الأقوات من أفواههم لتستحيلَ مدافع ودباباتٍ، وطائرات، وجراثيم، تحصد الناس حصداً.
انهم دُعاةٌ شرفاء للسلام، والاخاء البشري، والكرامة الانسانية، والاستقلال والحرية.
ومن هم هؤلاء؟
انهم البشرية جمعاء في وجودها على هذا الكوكب.
وحضَّ القرآن الكريم جميعَ الناس على الدخول في السلم، وأوصاهم بالجنوح اليه، ودعاهم شعوباً وقبائلَ الى التعارُف: « يا أيها الناس انا خلقناكم من ذكرٍ وأُنثى، وجعلناكم شعوباً وقبائِل لتَعَارفوا، ان أكرمكم عند الله أتقاكم » ويعني هذا الكلام الكريم في ظروف هذا الزمان، دعوةَ جميع الناس دونما فرقٍ في المذهب والطائفة والجنس واللغة، ودونما فرق في الانظمة السياسية والاجتماعية والانتماء القومي، الى التعارف والتفاهم، الى التعايش بسلام وإِخاء، بلا تنابذ وتحاربٍ وتقاطع: « إنا خلقناكم لتَعارفوا »
« يا ايها الذين آمنوا ادخلوا في السلم كافَّة، ولا تتبعوا خطوات الشيطان، انه لكم عدوّ مبين »، « وإن جنحوا للسلم فاجنح لها »، « وتعاونوا على البرّ والتقوى، ولا تعاونوا على الاثم والعدوان ».
ان الجمعَ بين النقيضين في الآية، بين أمرٍ بالبرّ والتقوى، ونهيٍ عن الاثم والعدوان، تعريف ديني بالسلام، وتعريف بالحرب، ذاك برّ وتقوى، وهذه إِثم وعدوان، فيأمر بذاك وينهى عن هذه.
حقاً، ان السلام يختصر مجموعة فضائل ومحاسن كما تختصر الحرب مجموعة مآثم ومقابح. فالسلام كلمة جامعة لكل معاني الخير والصحة والثقافة والتقدم والكمال والجمال. هو ضالَّة الشعوب وارادةُ حياتها، وضمانةُ جودها البشري، واستمرار حقها وأمنها واطمئنانها، وحقيقة برّها وتقواها.
من اجل هذه الكلمة النبيلة جاء الانبياء.. وجاء المسيح، ومحمَّد، فكانوا أنصار سلام في الارض، ونُزِّلَتِ الآيات البيّنات في الكتابين الكريمين تنطِق بضرورة صنع السلام، والتعاون، والعيش بسلام، وصيانة هذا السلام من الاثم والعدوان.
ونحن رجال الدين، حَمَلَة الرسالتين، ما هو موقفنا من هذه النصوص الانجيلية والقرآنية النقية؟
هل نكونُ أُمناءَ لواجبنا الديني، والانساني، بالاضافة الى واجبنا الوطني والمجتمعي، اذا بقينا متقوقعين في نطاق الجمود والتحجُّر، وبقي فهمنا لنصوص الدين فهماً طقسياً ووعظياً فقط لا يتعدى اطار التكرار والاجترار دون ان تجد هذه النصوص سبيلها الى النفوس، وتعبيرها العملي في حياة الناس، في الواقع الاقتصادي والاجتماعي والسياسي لأوطاننا وللجماهير الانسانية في كل وطن؟
ان البسطاء الطيِّبين من الناس وَعُوا هذه الحقيقة للدين وللحياة، وأعلنوها دون ما رهبةٍ وخوف، قولاً وعملاً، وكفاحاً ومنهجاً وسلوكاً.
فما بالنا نحن عابثين؟
ما بالنا سادرين في ضَباب من الخوف؟
ما بالنا نحتنق في دُخان الوهم، ونضيع في متاهات التأويل والتفسير؟
مابالنا نستردف قوافل المظلومين الزاحفة في اصرار نحو صنع السلام والعدالة والحرية، ونستقبل طغمة الظالمين المتساقطة على نفسها في جوانب الطريق 19؟ نتحالف مع مجوِّعي الناس على الجائعين من الناس، ونساير مُعذِّبي الانسان على المعذَّبين في الارض؟!
اين مكاننا من الصراع بين قوى السلام وقوى الحرب؟
بل أين يضعنا الدين من هذا الصراع؟
ان الدين، في مفهومه النقي، لا يمكن ان يكون حيادياً من الصراع الناشب بين الحياة والموت. وما كان الانبياءُ والرسل في حيادٍ من صراع كهذا!
ثم، ماذا يعني الحياد تُجاهَ الموت. هل يعني غير تحالفٍ ايجابي مع أعداء الحياة.
هل يعني غير انتصارٍ للشر، وهزيمةٍ للخير.
في هذه الحالة. هل يكون الحياديون بين الخير والشرّ، براءً من تبِعة الجريمة، ام يكونونَ فيها شركاءَ، وعليها مشجّعين.
ليست المروءة في اطفاء النار، بل في الحيلولة دون اشتعالها
ان هؤلاءِ الحياديين تُجاه الصراع بين قوى السلام وقوى الحرب، بين الحياة والموت، وهم يفتعلون بينهم وبين الحياد « نسباً مكذوباً » لا يجرءون، حياءً او خوفاً، رهبة او رغبة، على اعلان مظاهر حيادهم.. واذا كانت « المروءة لا تعمل في السرّ ما تستحي به علانية » أدركنا معنى المروءَة عند هؤلاءِ الحياديين.
ألا إِنَّ الحياد مع الشرّ شرٌّ عظيم، والكفاح مع الخير خيرٌ أعظم.
ولهذا، لست حيادياً مع الشرّ.
أقولها مدوِّيةً عالية.
ولا خير فيّ اذا لم أقلْها عاليةً مدوِّية.
إِني أضع نفسي حيث يضعني ديني، وحيث يدعوني وطني: وطن المعذَّبين والجائعين، وطن الحفاة العراة، وطن الودعاء البُسطاء:
« طوبى للودعاء فإنهم يرثون الارض »
« طوبى لصانعي السلام فانهم أبناءَ اللّه يُدعَون »
إني أُجاهد حيث يجاهدُ المتألمون من بني الانسان.
أنا في جبهة الشعوب المتطلعة الى الخير لأَنها هي تصنع الخير.
أنا لست مع « السعادة » المتمرِّغة بالدماء والمتشامخة على الجماجم.
ولماذا أنا كذلك.
لأَني لا أُريد أن أكون غير ذلك.
لأَني لن أكون سعيداً إِلا اذا سعد الآخرون.
ولن أكون حرّاً، إلا اذا تحرَّر المستعبَدون.
ولن تطيب لي الحياة في الارض ما بقي في الارض معذَّبون.
هذه هي سبيلي النيِّرة
ولينكرها عليَّ خفافيش الليل..





بَيني وبَين رَجل دِين



 
 
« أنبل انواع السياسة واشرف أهدافها هو السلام..
السلام هو الضمانةُ الوثقى لجميع الحرِّيات العامَّة.. »



زرت مرةً رجلَ دين، في نطاق زياراتي لرجال الدين مسيحيين ومسلمين، وسألته رأيه في السلام، والحرب، لأَكون على بيّنة من موقفه، من « حركة السلام » الديموقرا طية اللاَّحزبية.
دار بيني وبين سيادته حديث طويل حول مفهوم هذه الحركة، وضرورة تأييدها والعمل على انجاحها؛ لأَنها، بالمفهوم الديني النقي؛ وفي نظري ونظر جميع الطيّبين من الناس، أنبل حركة ظهرت في تاريخ الشعوب حتى هذا التاريخ.
فكان جوابه هكذا، بكل سذاجة: « نحن رجال الدين لا دخل لنا في السياسة! إننا نصلِّي فقط، لأجل السلام، وعسى ان تُستجاب صلواتنا، فيسود السلام في الأرض ».
وذهب فكري الى حروبٍ في التاريخ متعاقبة لم تحُلْ دونها صلوات المصلين.
وبكل بساطه وهدوء أجبت سيدي: أيَّ سلام تعني يا سيدي؟ أسكينةً في مقابر الأموات؟ أم سكينةً في منازل الأحياء؟
لست أفهم السلامَ بيوتاً تدمَّر، وحقولاً تُحرق، وأكواخاً تُنقض، وشعوباً تجوعَّ، وأسلحةً تُصنع.
لا أفهمه جحيماً في الأرض مضطرمة، وقنابلَ وقذائف تنفجر هنا وهناك فتبيد الأطفال والنساء والشيوخ والشباب، واذا أبقت على شيء، فعلى جيلٍ يتيم مشوَّهٍ مُعاق!
هذا سلام! ولكنه سلامٌ في منطق باعة السلاح! وهو مغالطة مقصودة في الاسم والجوهر!
أفهذا ما تعنيه كلمة سلام؟
أهذا هو المعنى الديني الموضوعي لهذه الكلمة؟
و تقول يا سيدي: « ان رجال الدين لا دخل لهم في السياسة » اي انهم في عزلةٍ تامةٍ عن أية سياسة.
فاذا صحَّت هذه العزلة فهي نفسها موقف سياسي. ومع ذلك، فان لرجال الدين مواقف احتجاج ومطالبة، اذا مُسَّت لهم مصلحة، او نقص لهم أجر، اوجُرِح لهم امتياز، او هُدِّدت حياتهم بخطرٍ ما. فاذالم تكن هذه المواقف مواقف سياسة فماذا تعني اذن، أهي وعظٌ وصلاة! ام انهم سياسيون في ذات مصالحهم، ولا دخل لهم في السياسة اذا اقتضتها مصلحة الضعفاء؟ إِنهم في « عزلتهم » ذوو صلاةٍ، وذوو سياسة. والسلام أنبل انواع السياسة، واشرف اهدافها. انه الضمانة الوثقى لجميع الحريات، انه سياسة الدين والخبز، والصحة والتعليم. سياسة الشعوب التي تبني سلامها بأيديها وتدافع عنه، وتصونه، لأن حياتها في صيانته. سياسة الشعوب المضطهدة، المعذَّبة، المغصوبة حقوقها واملاكها وحرياتها، وأمنها. سياسة الشعوب التي تريد ان تعيش في اوطانها حرةً عزيزةً مستقلة.
فاذا اعتزل رجال الدين هذه السياسة، او تنكروا لها، او قل: اذا اعتزلوا هذا العمل الديني المقدَّس، وهو ما تفرضه ضرورة المحافظة على أرواح الملايين التي أُرسلوا لها مبشرين واعظين معلمين، فأيُّ مفهوم يبقى للدين من مفاهيمه النقية، وأية رسالة تبقى لرجال الدين. هل من الدين، والضمير الديني، في شيءٍ قليل او كثير، والدين سلام وإِخاء ومحبة، ان يلزم رجاله موقف اللامبالاة تُجاه الشرّ، والحرب شرّ أعظم، وهم في أبراج « عزلتهم » يتفرجون على صناعة الموت، على الذين يرسمون هنا وهناك خُطط العدوان وتصاميم الإِبادة بالجملة؟!
أليس في لامبالاتهم بالسلام موقف سياسي من الحرب؟
لعلَّ في هذا الاستطراد الاستفهامي اتّهاماً مقصوداً؟ نعم. انه اتّهام، ولكنه حقيقة.

واسترسلت في الحديث مع سيدي رجل الدين وخاطبته فيما خاطبت:
انزل معي الى الارض يا سيدي.
اقطع ما بينك وبين الوهم والخيال.. وتصوَّر، وأنت في بيتك، آمناً مطمئنّا، أن داهمتك عصابةٌ من اللصوص والقتلة وقُطاع الطرق، ابتغاءَ نهيك او قتلك.. فماذا تفعل.
هل تُدافع عن نفسك بالصلاة وحدَها، أم تصلي وتعمل معاً.
ألم يقل رسول السلام: « اطلبوا تجدوا، اقرعوا يُفتح لكم ». فالطلب عمل، وقرع الباب عمل، وكلاهما نقيض التمني والاتكال.
وأوصى نبي المسلمين أعرابياً دخل عليه ولم يَعقِل ناقته، ولما سأله أجاب: « توكلت على اللّه » قال له: « إعقِل وتوكَّل » أي: صلِّ واعمل.
وجاء اليه جماعة قائلين: ان فلاناً يصوم النهار ويقوم الليلَ وُيكثر الذكر. قال: أيهم يكفيه طعامه وشرابه. قالوا: كلّنا نكفيه. قال: كلُّكم خيرٌ منه فالعمل مع الصلاة خيرٌ من الصلاةِ بلا عمل.
فلا تدفع عنك اللصوص بالصلاةِ وحدَها، بل لا مفرَّ لك من هراوةٍ او فأس، او اي شيء آخر تقع عليه يدك لصدّ عصابة اللصوص عن مبتغاها منك، لتسلم من شرّها، فتأمن وتطمئن.
أليس كذلك.
ألا تعتبر هذا العمل الذي لجأت اليه دفاعاً عن نفسك ومقتناك عملاً سياسياً نبيلاً اقتضته ضرورة المحافظة على حياتك ومقتناك.
فهل حياتك أعزّ عليك من حياة مئات الملايين من الناس المهدَّدة بالخطر المبيد.
وهل انت غيرُ واحد من هذه الملايتن المهدَّدة بالخطر المبيد.
ان مُشعلي نيران الحرب لصوصٌ، وقطاع طُرُق دوليون، يسلبون الأرواح والأموال. فاذا تنكرْتَ لهذه الملايين البشرية، او انكرت عليها ان تفعل في جميع أوطانها متحدةً متآلفة، ما تفعله انت في بيتك لدن يداهمك القتلة واللصوص، او اذا لزمتْ هذه الملايين في جميع اوطانها الحيادَ واللامبالاة، وعدمَ التدخل تجاه العدوان، أفلا تقع هي نفسها ضحية الشرّ والعدوان.
أَليس كذلك
فاذا قرنَّا الصلاة للسلام بالعمل للسلام، وذلك بمكافحة وسائل الحرب واسبابها، وموجباتها وتشهيرِ دُعاتها ومريديها، أَفلا يكون عملنا وصلاتنا اكثر نفعاً، ويكون السلام الذي نصلّي له قد وجد تعبيره العملي، وشكله الإِيجابي الواقعي بين جميع الناس، وفي حياة جميع الأوطان
هنا، سكت محدّثي، وأَغرق في التفكير، ولم أَدرِ هل كان سكوته مؤشّر اقتناع، أَم أَعوزته الحجّة فصمت، أم استعلاؤه على محدِّثه في الفهم كان اشفاقاً منه عليه! وأيّاً ما كان سبب سكوته، فقد تراءى لي جنوحٌ منه الى اعادة النظر بجميع مفاهيمه عن السلم والحرب، وإعمال الرويّة في ما يُسمَّى « السلم المبطَّن »، و »السلم الاحمر » هذه الأُسطوانة المسجّلة في دوائر معروفة، وتُديرها أصابعُ شريرة معروفة!
ومهما يكن من أمر هذا الحديث، فإن اصرار محدّثي، او من يمثّلهم فكرياً، على سماع معزوفات هذه الأُسطوانةِ البِدع، وبقائه من « حركة السلام » اللاحزبية في موقفٍ سلبي، ان هذا الاصرار، في سلبيته ايجابيةُ موقفٍ من الحرب، يجعله نصير حرب من حيث يدري او لا يدري، وفي هذا مجالٌ لاتهامه بضعف مفهومه الديني، وبالتهاون في تأدية الرسالة التي تتلمذ لها، على الوجه الاكمل

فيا أخي رجل الدين، كاهناً كنت او شيخاً، أتوجه اليك مخاطباً بصدقٍ وإيمان: ألا استعمل عقلك واستوحِ ايمانك جيداً، ولا تخدعنَّك أباطيل السياسة وأضاليلُ تجارها، وهذه الدعاياتُ المبثوثة هنا وهناك.
افتح عينيك مليّاً على قوافل الشعوب الصاخبة، وهي تسدّ الافاق.
ألقِ سمعك الى جلجلاتها الصارخة في كل انحاء الارض. عمّق في وعيك الحقائق.
فماذا ترى؟
وماذا تسمع؟
ألا تسمعُ نداءاتِ السلام مرتفعةَ الرنين في ضمير الشعوب، تخترق الحدودَ والسدود، والسجونَ والمعتقلات، ومعسكرات الجنود، مدمدِمة في وجه قائليها:
لا نريد ان نموت
ان نكون حنطةً لرحى الحرب
او قطيعاً يُساق الى الذبح
او سلعةً تباع في سوق الموت
نرفض ان نكون طعاماَّ للمدافع ووقوداً للنيران
نرفض قتل أنفسنا وقتل غيرنا
لا.. لا نريد ان نموت

حق الحياة للانسان حق طبيعي
حقّ الانسان في ان يحيا
حقّه في ان يملك هذا الحق، ويسعى الى حمايته وصيانته بحرّية لم يخلقِ اللّه انساناً غيرَ جدير بحياته، او شعباً غير جديرٍ بحريته.
وليس طبيعياً ابداً ان يموت انسان او يُعدم شعب تجويعاً، او تقتيلاً بالجراثيم، او بالذباب المجرثم، او بغير ذلك، وان تنتزع منه حياته أنتزاعاً، ان يُقتلَ نفسه انتحاراً، او يُجبرَه غيرُه على الانتحار.
بل الطبيعيُّ دائماً وابداً ان يعمل وان يكافح دواعي الموت، متشبّثاً بالحياة ما امكنه التشبُّث.
ألا يُحرِّم الدين على اي انسان ان يقتل نفسه، أَن ينتحر؟
أليس المنتحر في عُرف الدين ملحداً كافراً لا يُصلَّى عليه، وفقاً لمراسيم الدين، لانه لا يملك حق القتل لنفسه أيةً كانت أسباب القتل؟
فهل يملك هذا الحق اذن، هؤلاء الذين يدفعون بالبشرية كلها، افراداً وجماعاتٍ، أُمماً وشعوباً، وقبائل، الى الانتحار؟
أَليست الحرب إِلحاداً مسلّحاً والنافخون في نارها ملاحدة وكافرون؟
أليس ملحداً كافراً من يقول: « يجب على الولايات المتحدة ان تمشي قُدُماً حاملةً بيدٍ قنبلةً ذرِّية، وصليباً باليد الأُخرى »21؟
أفيجوز الجمع بين القنبلة الذرِّية والصليب، بين شارة الاستشهاد حباً لخير البشر وسلام البشر، وآلات الإِبادة لبني البشر؟
ان الصليبَ براءٌ من أي انسان، من أية دولة، تحمله بيدٍ، وفي يدها الأُخرى قنبلة ذرية، او هدريجية، او جرثومية، تدمر المدن، وتبيد الناس.
ما من مهادنة، او محالفةٍ بين الصليب والهلال، وهذه المدمرات المبيدة!
ومجرّد التفكير بهذه وتلك الحاد مبين.
ان الصليب والهلال لا يصافحان أيدياً تخضبها دماء الأبرياء.
انهما ضدّ القتل، انهما مع السلام والخير، ضدّ الحرب.
لنضع ايدينا في ايدي الشعوب المؤمنة بالسلام ايمانها بالحياة الأخوية الشريفة.
لننخرط في صفوف هذه الشعوب،
لندخل معها في حملة سلمية نقرع بها ابواب المستقبل النيّر البهيج.
واذ نفعل ذلك لا نكون قد اجترحنا العجائب او عملنا عملاً غريباً عنا، بل نكون قد عدنا الى صميم رسالتنا الدينية، رسالة الإِخاء والمحبة والتعاون بين جميع الناس والامم والشعوب.
واذا لم نكن مع السلام فنحن اذن عليه
وان لنا لحساباً عسيراً.





حريتنا هي السلام



 
 
« الحرية هبي في معرفتنا أعداء الحرية. في مناضلتنا اياهم باصرار وعناد. في اتخاذ موقفٍ صريحٍ ضدَّهم سلوكاً ومنهجاً ».



الحرية والسلام صِنوان متلازمان، وجدولان نابعان من خير الانسان، في عالمه الأكبر.
فلا عبودية مع السلام، ولا حرية مع النزاع.
وفي المزيد من الحرية ضمانة كبرى للحرية، للسير بالبشرية صُعُداً نحو الكمال، مادياً وادبياً، سياسةً واجتماعاً.
والحرية ليست تعبيراً نظرياً مجرّدا، او مقياساً افتراضياً، او ثرثرة كلام، وفأفأة شفاه، انما هي تعبير واقعي في حيوات الناس، ومعايش بني آدم.
وهي ليست حبراً على ورق بين دفَّتي كتاب، او قانون، او دستور، او مرسوم اشتراعي. انْ هذا، في ابسط معناه، الا حريةٌ مرسومة بالحروف والكلمات فحسب، ما دامت الصلة مفقودة بينه وبين الواقع الاجتماعي للحرية
الحرية لا تصنعها الشرائع والدساتير حروفاً وكلمات
انما الحرية، اذ تتجسّد في الحياة الاجتماعية والاقتصادية والسياسية للشعب الحر هي التي تصنع لهذا الشعب قوانين الحرية ودساتيرها
ليست الحرية شعراً في ديوان، او لحناً في نشيد، ان هذه الا حرّية تُلحَّن، وحرية تُغنِّى الحرية هي في معرفتنا اعداء الحرية في مناضلتنا إِياهم بعنادٍ وإِصرار
في اتخاذ موقفٍ صريح ضدّهم سلوكاً واتجاهاً ومنهجاً.
حريتنا هي في امتلاكنا وسائل الحرية، وامكانات التطور الحرِّ في معايشنا، اناساً ينشدون السلام والخير والمحبة، والصحة، والعافية، والتقدم، وا لكمال الانساني.
هذه الوسائلُ والامكانات ليست مثاليةً او خيالية او أماني مُفلسين. انما هي استقلالٌ يُحقَّق، وسلام يُصان ويُوطَّد، وآلات تُنتج، وإنتاجٌ لا يحتكره محتكر، وأرض لا يحرثها فلاح ليستغلها مالك، وعمل مضمون للمحرومين عملاً وخبزاً ومسكناً.
إنَّ أثمن الحريات وأقدسها هي حرية الانعتاق من الاستثمار والاستغلال، وهذا الانعتاق يؤلف الأساس الاقتصادي الذي تنهض عليه جميع الحريات الأُخرى.

أين حريتنا في ان نعمل، وابواب العمل موصَدةٌ في وجوهنا، ومفاتيحُها في قبضةِ أُناسٍ فقدوا كل إِحساسٍ انساني نبيل.
أين حريتنا في ان نأكل، وخبزنا تحوَّلَ في دهاليز المحتكرين أكداسَ قنابل وجراثيم، للقضاء على ما بقي فينا من رمق، ونحن طعام سائغ بين اشداق الموت.
أين حريتُنا ونحن مرضى بلا دواء ولا مَصَحّ؟
أين حريتنا، ونحنُ طلاب علم بلا مدارس تستوعب طلاب العلم؟
أين حريتنا؟ ومشرّدون بلا مأوى، ومتألمون بلا راحة، وعاطلون بلا عمل، او بعملٍ مخضب بماء الوجه وذلّ السؤال.
الأُجور، على ضآلتها في هبوط. والغذاءُ والكساء والدواء والمسكن، على قلتها، في غلاء متصاعدٍ مصنوع والضرائب المجبية من أعراق الناس تُهدر في ما هو هدرٌ لحياتهم، وخطرٌ على البقاء.

أين حريتنا في الكلام والاجتماع والنشر، والتعبير عن الرأي؟
وفي السجون أُناس لا ذنبَ لهم سوى أنهم وطنيّون أحرار، استقلاليون، طلاب سلام وإخاء وتعاون، يكرهون الظالم بقدر ما يحبون المظلوم، ويحقّرون الحرب بقدر ما يحترمون السلام.
وطنيون أُمناءُ، يأبى عليهم كبرياؤهم الوطني ان يثغُوا ثُغاء الغنم امام سكاكين السلاَّخين، فلا يأخذهم تهديد او وعيدٍ فيصمتون كالعبيد امام  الأسياد. ويتسكسكون على اقدام باعة السلاح، لأن أفكار السلام لا تستطيع الصمت، والمثل العليا الانسانية لا تتمرغ في التراب.
.. وقَتَلَةٌ أشرار يحميهم « قانون الغابة » يبثون زَبانيتَهم وعيونهم هنا وهناك، في البيوت والشوارع يتعقَّبون افكار السلام، ويصادرون صحفَه ونشراته محاولين، عبثاً، إخفاتَ الصوت الصارخ في صدور مئات الملايين، وهي تهتف بسقوط قاتليها 22.
ويؤيدون مشروعات الحرب، ونشر أفكار الحرب، و »هستيريا » الحرب مبثوثةً في الاذاعات وصحف التضليل، وتتساقط الأقنعة عن وجوههم الكالحة فيحكمون بأنفسهم على انفسهم أنهم أنصار حرب، ومجرمو حرب.

« الانسان مقياس كل شيءٍ في الوجود، ويجب ان توجَّه جميعُ قواه الى جعل هذا الوجود أجمل وأمتع » 23
فالحرب تعطّل قوى الانسان، وتشوِّه جمال هذا الوجود.
وبدون حياء..يتصايح دعاتها و خُدَّامها ومثيروها، وبكل صفاقة يدّعون انهم حماة الحرية، ورسل السلام والخير والجمال!
فأيَّ خير، وأيَّ سلام، وأيَّ جمال، وأيةَ حريةٍ يَعنُون؟
أحريةَ القاتل الشرّير؟
أحرية الفقير ان يظل فقيراً ويزداد فقراً؟
أحرية الغني ان يزداد غنىً مسلوباً من حقوق الناس؟ أحرية الجاهل ان يظل جاهلاً؟
أحرية القطيع البشري ان يُبادَ ويفنى استمراراً لحرية افرادٍ قلائل معدودين.
هذه الانواع من الحرية هي أكذب انواع الحرية. هي تزوير للحرية، وهي ساقطة من حساب الدين، ومن شرف الضمير البشري. ولا يمكن ان يكون الدين، في نقاوته، نصيراً لهذه الحرية المكذوبة وحليفاً لذويها.
انه نصيرٌ لحرية المظلومين تحرراً من ظالميهم، ونصيرٌ لحرية الشعوب في تقليم أظافِر قاتليها، وحليف لأَبناء السلام في مكافحة أنصار الحرب.
« ما جمع مالٌ من حلال » 24. و »ما جاع فقير الا بما مُتِّع به غنيّ » 25
فالدين لا يُمجِّد فقراً، ولا يطوِّب فقراء. انهُ يطوِّب أنقياءَ القلوب وبسطاء الروح، ويحقّر الاغنياء الكذبة، ويُسفّه الغنى المكذوب: « ان دخول الجمل خرم الابرة لأَسهل من دخول غنيٍّ ملكوت الله » 26.
فالفقر المصنوع دليل على الغنى المصنوع، وعلى أن المحبة والسلام والعدالة الاجتماعية مفقودة بين البشر. وليس أدلَّ على كذب الغنى وحقارته من تمركز الفقر في شموله اوسع فئاتِ الناس.
قالوا.. وكثيراً ما قالوا، إِن الحرب قصاصٌ مُنزلٌ من السماء! من يستطيع ان يصدق، دون ان يلغي عقله ويغسل دماغه، أن عدل السماء يُعاقب مئات الملايين من الابرياء، في حربٍ مبيدة، بجريرة قُبضة تافهة مِن المجرمين؟ أفي السماء عدلٌ كهذا وتبقى السماءُ سماءً؟ حينَ أنَّ مجرمي الحرب صانعي القنابل الذرية والخنافس المجرثمة غالباً ما يتخطاهم عدلُ السماء هذا! حتى لكأنَّ عدل السماءِ عقابُ الأبرياء وتبرئةُ المجرمين!
من يصدِّق هذا؟
ثُمَّ من يصدِّق ان الغنى المكذوب نعمةٌ هابطة من فوق، يختص بها اللّهُ نخبةً مختارة ويختصُّ بالفقر والبؤس تلك الكثرة الكاثرة من ابنائه؟ من يصدِّق هذا انما يكفر بعدل السماء، ويكون إيمانه بين شفتيه، وقلبه في مآثم الأبالسة. ولو استطالت مسبحتُه كيوم الجوع، وصام النهار وقام الليل!
ليس الغنى شيئاً منزلاً من فوق، انما هو شيءٌ صاعدٌ من تحت، من جحيم العذاب والألم والجوع، وا لعُري والفقر، التي تتلظى فيها الكثرة الكاثرة من بني الانسان.
انه مجهود اجتماعي لهذه الكثرة مسلوبٌ منها سلباً، ومغتصب منها اغتصاباً « بشرعية » القوانين الآسرة، والشرائع الكابحة الموضوعة من الأقلية لمصلحة الأقلِّية. « او بسبب الظلم المرتكز على شرائع منظّمة، والعبودية القائمة على قوانين » 27
الحرب جريمة مصنوعةٌ من الإِنسان، تنزَّه عنها الله، وعدل السماء:
في الاستثمارات الكبرى رأسُها
وفي مصانع السلاح يدُها
وفي أذهان المستثمرين فلسفتها
أما حذاؤها فعلى جبين المحبة والحرية والشرف والضمير.
هذه هي الجريمة.
واولئك هم محترفوها
فاذا شئتم ألاَّ تكونوا حلفاءَها
فهذه يدنا فصافحوها
وهذا السلام فحالفوه.





كيفَ أفهم السلام



 
 
السلام نهج عمراني شامل، ورخاء بشري جامع، وثراء جماهيري عارم.. وحركة وطنية ضد الحرب واحلاف الحرب، واقتصاد الحرب وحكومات الحرب.. في النطاق الوطني والعالمي..



لا حاجة بي الى نصوص استنطقها، لأفهم السلام. فليس للسلام لونٌ غير لونه، وليس له معنى سوى معناه.
اما ألوانه الأُخرى المصطنعة، فهي أصباغ ناصلة « بائخة » معروفة عندي تماماً. تفعلها مصانع السلاح والحرب.
لست افهم السلام كلمةً مطلقة، مسيَّبة المفهوم والمدلول تتناقلها الالسنة مائعة جوفاء.
إِن فهمي للسلام اجتماعي المدلول، وطني المحتوى، انساني الغاية. أفهمه بنياناً اقتصادياً واجتماعيا وسياسياً يتصل وثيقاً بعيشٍ للناس رغيد، ويلتحم وطيداً بقضايا الإِنتاج والتوزيع. وهو في مرتكزاته الاساسية عدلٌ في التشريع وعدلٌ في التوزيع، وعدل في السياسة والاجتماع والقضاء. إنه نهجٌ عمراني شامل، ورخاء بشري عارم، وثراء جماهيري جامع.
وهو، لهذا وذاك، عمل اجتماعي دائب، وكفاح سياسي لازب، وحركة وطنية وعالمية، تنتظم جمبع الفئات والأحزاب والمذاهب والطبقات، ضدّ الحرب وأحلاف الحرب، واقتصاد الحرب، وانظمة الحرب، وحكومات الحرب، في النطاق الوطني والعالمي.
افهمه تماماً كما يفهمه العامل والعاطل عن العمل، والفلاح، والطالب، والأُم، والمستخدم، والعتال، والبائع المتجوّل، والموظف الصغير، والتاجر الصغير. أفهمه تماماً كما يفهمه أبناء المحبة والخير، وأحبّه بقلبي وجوارحي ولساني، كما يحبّه هؤلاءِ تماماً في كل العالم، لأَني واحدٌ من هؤلاءِ، ولأَن الشعب اللبناني واحدٌ من شعوب الدنيا التي احترقت بجحيم الحرب، فجاعت وشُرِّدت، وتهدَّمت منازلُها ومدارسها وجامعاتها، وتمزّقت أشلاءً في الدروب والمسالك والملاجىء وشقوق الارض.
وأُغلوطةُ الأَغاليط، ان يُفهمَ السلمُ « المسلّح » سِلماً في معناه، وان يُفهم السلمُ احتلالاً عسكرياً مسلَّحاً لأَراضي بلدٍ ما، وان يكون السلم في معناه تحشيدَ الجيوش وتكسيد الاسلحة، وتوجيه الافكار للحرب، وتقتيلَ الناس، وتدميرَ المدن والقرى، وإِحراقَ المزارع والحقول!
وانها لدعوى ماكرة حقاً ان تُنشأ المطارات، والمرافىء الحربية، وتنظَّمَ الاحلاف العسكرية من « اطلسية، ومتوسطية » وما يتفرع عنها من مشاريع ويرافقها من أزمات، و يُزاوجها من إِرهاب واعتداءاتٍ على الحريات الوطنية والأخلاق!
أقول: إنها لدعوى ماكرة حقاً ان تُعتَبر هذه كلّها ضروراتٍ للسلام، ودفاعاتٍ ومشروعاتٍ للسلام.
بل العكسُ تماماً هو الواقع، وهوالصحيح. إِنْ هذه الا استعداداتٌ للحرب، وهجوماتُ حرب تقوم بها، ضبطاً، الدولُ الواضعة تصاميمها، والحكوماتُ الناظمة عِقدها والمندرجة فيها، وهي ما يعزّز خطر الحرب، ويهدّد السلام: سلام الشعوب كبيرِها وصغيرها. « القتلُ أنفى للقتل »، « واذا اردت السلم فتهيّأ للحرب »، فلسفةُ القتلَة الأشرار.. اما « السلم ابقى للسلم، والحياة ابقى للحياة » فهي فلسفة الدين والواقع والتاريخ.
فحقيقة السلم، في زمنه هذا، وحقيقة فهمي له هو واجب ديني، وواجب وطني، وشكل تاريخي لتطور الشعوب وتآخيها، واندماجها في جبهة عالمية موحّدة في عالم مترابط الأجزاء لا يستطيع جزء منه ان يعيش ويسلم في عزلةٍ عن غيره.
فالوضع الدولي، كما هو الآن 28، ومحاولاتُ الاستعمار العالمي للتزيُّد من التوتّر الدولي، وخطر الحرب الثالثة الرهيب تضعُ كل شعبٍ من الشعوب امام مسئولياته الوطنية والانسانية، في مواجهة هذا الخطر المُبيد فاللامبالاة في المواقف، على صعيد السياسة، والأدب والفن، والفكر والضمير، معناها الإِساءة الى حياة الناس المضطهدين، وهم عِطاش الى السلام، والعدالة، والاستقلال والحرية. بل هي، في معناها الجامع المانع، خيانة الانسانية بمجموعها، لأنها مساندة كبرى وخدمة عظمى لقوى الشرّ والحرب والإِبادة.
فالذي يخشى خشية المستريب ان يعلن موقفه الصريح في مناصرة السلام، وسياسة السلام، وفكرة السلام، بالمعنى الموضوعي لهذه الكلمات، ومقاومة الحرب وسياسة الحرب وفكرة الحرب، بالمعنى الموضوعي لهذه الكلمات أيضاً، أيةً كانت هُويّة العاملين لها، انما يُلقي بنفسه في مَظِنّة الخيانة، خيانة الوطن والانسانية، من حيث يدري، او لا يدري. ان الاستعمار كفكرة، وكشكل من اشكال الحكم، وكأسلوب للعلاقات السياسية والاجتماعية بين الشعوب في اي بلدٍ من بلدان العالم. ان هذا الاستعمار فكرةً وشكلاً واسلوباً، في منطق الواقع والتاريخ والدين، ليس سوى وزرٍ تاريخي، وبقايا مبعثرة في طريق التطور الانساني، والإِخاء الانساني، ولكنها بقايا، مع ضعفها، ما تزال حيِّة، تحاول ان تتجمع مستندةً في ضعفها على هذا التجمُّع المتمركز في محور واحد يدور فيه على نفسه، ويرقص على ذاته، في حَلْقةٍ مفرَّغة، آخِرَ رقصاته.
ورُغمَ ما يعتمل في هذا التجمّع من تمزُّق وتفسخ وتناقض، نراهُ يظهر بأشكالٍ مختلفة من المواثيق، واسماءٍ متباينة من الأحلاف العسكرية، ومشاريع الاقتصاد الحربي، في أوروبة وافريقية والشرقين الأدنى والأوسط 29، وفي كل منطقة جغرافية من مناطق نفوذه يتقلَّص فيها هذا النفوذ، امام تيارات الامتداد الشعبي والحركات الوطنية التي هي في جوهرها وامتدادها حركةُ سلمٍ واستقلالٍ وحرّية.
ان الاستعار، في زمنه هذا، دائرٌ في نطاق أزمة دائمة متفاقمة يوماً بعد يوم لا قدرة له على الخلاص منها بغير الحرب. ولا سبيل لاختناقه بها، والى الابد، بغير السلم، وبغير النضال الوطني للشعوب.
وها هو يُعلنها بدايةَ حرب ثالثة في « كوريا » متحالفاً مع الجراثيم والبقّ والبعوض والعنكبوت. وفي الفياتنام، والملايو، وتونس ومراكش وغيرها.
« ولم تعد الحرب قضية مستقبل، بل الحرب العالمية الثالثة هي جارية فعلاً، وقضية واقع، وليست حرب كوريا سوى اصدق تعبير عنها » 30
واذا كان هذا هذا فقد اصبح من طبيعة التاريخ والواقع، ان يتمركز السلام في جبهة الشعوب المحبّة للسلام، وكل الشعوب تحب السلام، وان تواجه الاستعمار وجهاً لوجه، بعد ان انتقل من التهديد بالحرب الى الحرب الفعلية، في معركة تخوضها رابحة منتصرة ويخوضها هو خاسراً خاسئاً، يبصر فيها انتحاره الأبدي.
إنه يحشد الآن جميع امكانات الحرب ومختلِف مكتسبات العلم، وكافَّة الجراثيم والأمراض. وهي تحشد جميع امكانات السلام، من قوىً تُعبّأ، وأفكارٍ تهيّأ، وتوجَّه، وقلوبٍ تتحدّ، ورغباتٍ تنسجم، وعزائم تُشحذ، وتعايُشٍ ممكن بين جميع الانظمة السياسية المختلفة، لتلاقي، في ملحمة تاريخية، آخرَ اعدائها: اعداء الانسانية والسلام.
ومن البداهة القول: ان وقفة جريئة صامدة متحدية تقفها الشعوب المهدّدة بالدمار ستقلِّم أظافر الاستعمار وتجزّ اطرافه الناشبة في كل وطن وتزحزح كابوسه الرابض على صدر كل شعب.

لبنان جزءٌ من العالم، والانعزالية فيه رجعية مجرمة. ووحدةُ العالم تاريخية مادية تتحرّك اجزاؤها بمقدار ما ينبض في كل جزء، من نضج ووعي وحيوية، وجهاد.
اجزاء العالم تتحرك وتنتفض، والراية الكبرى تخفق في كل مكان منه، باسم السلام. وحركة السلام الديموقراطية واللاحزبية تحمل هذه الراية، تطوِّف بها في انحاء الارض. والشعب اللبناني سائرٌ في مواكب الشعوب، شاعر بنوابض التاريخ، واعٍ لمسئولياته المعنوية والوطنية والانسانية تجاه السلام، لأنه حريصٌ على تحقيق استقلاله وامنه حرصَه على حياته.
فالاستعمار المتساقط على نفسه، وقد رغبت عنه الشعوب، فتحالف مع الجراثيم مِثلاً بمِثل، يحاول شدَّنا الى مؤخَّرته واستقواءَه بنا، بإدخالنا في إطار تجمّعاته واحلافه، وهو يتوسّل لذلك بشتَّى الوسائل، مفترضاً وهماً، ومختلقاً حججاً ماكرة، لا اصل لها ولا فصل. إِنه عاجز ان يدخل بيوتنا من ابوابها فيحاول دخولَها بواسطة الجيران، ممتطياً « تركيا الشاه » الى اغراضه الاحتلالية، باسم « الاتحاد ا لفيدرالي -التركي-العربي »!
لكن « مشروع الدفاع المشترك » بواجهته التركية ومقاصده الصهيونية، لن يكون له من النجاح أيُّ حظ. فالجهاد الوطني العاصف والعارم في اجتياحه العالم العربي، من المحيط الى الخليج، يستفحل ويصطخب يوماً بعد يوم. وهو قادر ان يُميت فيه مقوّمات الحياة جنيناً في البطن. وسيكون وليداً طِرحاً بين أقدام هذه الشعوب. وهي واقفة بالمرصاد لإِحباط كل مؤامرة -أياً كانت- على سلامتها وحريتها واستقلالها، في كل وطنٍ من أوطانها، مسمِّية الأشياء بأسمائها، فاضحةً الأيدي العربية المأجورة التي تنسج مع الأجنبيّ المستعمر، خيوط المؤامرات.
ولتعلم الحكوماتُ العربية ان أيَّ انجرارٍ في ركاب الصهيونية، وأيّ التزامٍ دولي في جانبها، خيانة وطنيّة عظمى، لأَنها إسهامٌ فعلي في الحرب، وفَسْحٌ في المجال أمام العلَقة الاستعمارية الصهيونية، لاستنزاف ما بقي فينا من دماء، وتحويلنا هباءً منثورا.
إِننا نريد السلام، بالتزامٍ واصرار
ندافع عنه بمسئولية وعناد
ولا نرضى ان يقتلنا أحد.
وإن لنا حسّاً انسانياًً ووطنياً يأبى على أي طاغيةٍ او جاسوس، داخل الجدران وخارجها، ان يجرح هذا الحسّ، مهما غلا الثمن.
نريد، ونقولها عالية مدوية، ان نعيش في أوطاننا العربية، أحراراً كراماً، بالمعنى الصحيح للحرية والكرامة.





تعليقات، ملاحظات وهوامش



الفريسيُّون « نخبة » متميزة من المجتمع اليهودي القديم. منهم العلماء والقضاة والكتبة وأعضاء مجلس الشيوخ، مراءون يُظهرون غير ما يعلنون، يُخفون الرذائل تحت مظاهر الفضائل أفرغوا الشريعة من روحها، وقدَّسوها حروفاً ميتة وتعدَّوا واجب العدل والمحبة والسلام. والفرّيسي اسم لكل انسانٍ خبثت نفسه وقبحت أخلاقه، وفسد سلوكه .
2 اسم الفتاة البطلة « ريموندا ديان » .
آسية، و افريقية، و اميركة اللاتينية . .
مقولة « كبلنغ » فيلسوف الاستعمار : « الشرق شرق والغرب غرب ولن يلتقيا . . »
مدينة قديمة غربي تركية الآسيوية « إِليون » حاصرها اليونان عشر سنوات (1193-1184 ق.م.) وغنى ملاحمها هوميروس في الإلياذة .
اغتيل ولي عهد النمسا في « ساراجيفو » صربيا، وكان هذا سبباً مباشراً للحرب. اما السبب الحقيقي فهو اقتسام العالم من قبل الدول الكبرى أسواقاً للبضائع واحتلالاً لمنابع الثراء.. أعلنتها النمسا في 28 تموز 1914. وأعلنتها ألمانية على روسية في أول آب. وألمانية على فرنسة في 3 آب. وانكلترة على ألمانية في 4 آب. واليابان على ألمانية في 23 آب. وتركية على الحلفاء في 22 تشرين الثاني. وايطاليا على النمسا في 23 ايار 1915. وبلغارية على الحلفاء في 14 تشر ين الاول. ورومانية مع الحلفاء في 28 آب 1916. واميركة على ألمانية في 6 نيسان 1917. تركية تطلب الصلح في 18 تشرين الاول 1918. ألمانية تطلب الهدنة في 6 ثشرين الثاني. وفي 11 منه تنتهي الحرب بانتصار الحلفاء.
كتاب « اللبنانية » للخوري يوسف الحداد .
اسكندر الكبير ذو القرنين (356-324 ق.م.) غزا امبراطورية الفرس في معركة « ايسوس » 333 ق.م. وهي مدينة في كيليكية: أرمينية الصغرى: جنوبي غربي تركية الاسيوية على ساحل المتوسط. فانفتج امامه باب الشرق واحتل فينيقية، ومصر، وتابع زحفه الى ضفاف نهر السند: ينبع من التيبت في البنحاب ويجتاز الهند والباكستان ويصب في بحر عمان .
10 ولم تنفرد « تركية » وحدها بهذا الحصار، بل شاركتها انكلترة فحجزت في ثغر الاسكندرية حتى نهاية الحرب باخرة ارسلها اللبنانيون في مصر والسودان الى مرافىء لبنان مشحونة بالمؤن والالبسة ثمنها مئات الالوف من الجنيهات. كما شارك في هذا التجويع عمال الحكومة وموظفو الإِعاشة من اللبنانيين الجشعين ذوي الاخلاق المنحطة.
11 كانت الحرب مناخاً ملائماً وفرصة سانحة اغتنمتها « تركية » لتحقيق حلمها القديم، وهو ضم لبنان الى الولايات التركية، بغية القضاء على حركة القومية العربية، وتتريك العرب وطورنتهم، باعتقال مفكريهم، ونفيهم واعدامهم، وتجويع اللبنانيين، على يد السفاح جمال باشا احد اقطاب « الاتحاديين » الطامع باعلان نفسه سلطاناً علىدولة اتحادية من  سورية وفلسطين والعراق وكيليكية وكردستان وعربستان: (اقليم في غربي ايران يتصل بالخليج العربي قاعدته الأهواز، ومن مدنه عبادان، اكثرية سكانه عرب)، فألغى بعض امتيازات لبنان وضرب عليه حصاراً تموينياً فارتفعت اسعار المعيشة حتى بلغ ثمن رطل الخبز ليرة عثمانية ذهباً). واختفى السكر والرز والكاز وغيرها. فمن لم يمت جوعاً مات بحمى التيفوس والتهم الجراد الاخضر واليابس، وصادر جمال املاك واموال 300 عائلة من لبنان وسورية وفلسطين بعد ان نفاها الى الاناضول.
12 ان ما نكبت به الدامور، وبيروت ومرجعيون وصور والجنوب، في الحرب العالمية الثانية، لا يقاس بشيء مذكور مما نكب به لببان في مدنه وقراه، في جنوبه وشماله، من جراءِ الحرب – المؤامرة- الصهيونية – الاميركية عام 1975-1977 بغية تقسيم لبنان الى دويلات طائفية عنصرية، مروراً الى تقسيم الدول العربية، وشل نضالها الوطني القومي لمصلحة أمن اسرائيل وابقاء الفلسطينيين حيث هم، لاجئين. فدمرت المرافىء والمرافق والمساكن، وقتل الابرياءِ من اطفال ونساء وشباب وشيوخ، وهجِّر من هجر، وشرِّد من شرد ألوفاً تحت كل سماء. وقد استصنعت الصهيونية ادوات لها في لبنان لتنفيذ المؤاموة باسم شعارات مختلفة متعاقبة على مراحل. وقد تجاوز بعض اللبنانيين في ممارساتهم الوحشية المنافية لقيم الدين والضمير والانسانية حداًلم يبلغه البرابرة.
13 كانت الاسباب الحقيقية للحرب العالمية الاولى هي اقتسام العالم بين الدول الكبرى، والاسباب الحقيقية للحرب العالمية الثانية هي اعادة اقتسام العالم بين هذه الدول.. بدأت باحتلال « هتلر » تشيكوسلوفاكية في 15 آذار 1939، وإحتلال موسوليني ألبانية في 7 نيسان، وفي اول ايلول اعلنت فرنسة وانكلترة الحرب على ألمانية..وقد شملت الحرب الشرق الاقصى وشمالي افريقية. وفي 6 آب أَُلقيت اول قنبلة ذرية على هيروشيما في اليابان. وفي 8 آب اعلنت روسية الحرب على اليابان وفي 2 ايلول استسلمت اليابان وانتهت الحرب بنشوء نظامين عالميين: إمبريالي رأسمالي، وشيوعي اشتراكي.
15 القديس بولس الرسول .
16 محمد بن عبدالله نبي المسلمين .
17 القرآن الكريم.
18 الوصية الرابعة من وصايا الله العشر.
19 نشأَت حركة السلام في اوساط المفكرين والعلماء والفلاسفة والادباء والفنانين وجماهير الشعب في كافة الدول ذات الانظمة السياسية المختلفة، ووقف منها اكثرية رجال الدين موقفاً سلبياً محكوماً باعلام يشوِّه اهدافها، فاذا هي في اذهانهم واذهان الحاكمين حركة « سلام شيوعي »، وهم انما يريدونه »سلاماً اميركياً دولارياً ». فهل الحرب مبرَّرة دينياً اذا لم يكن السلام اميركياً؟ كانوا يعظون بالسلام، ويصلوُّن للسلام، ولكنهم يطاردون ويضطهدون « انصار السلام » الذين يريدونه سلاماً يلغى الحرب ويزيل مخاطر الحرب، واحلاف الحرب، ويخفِّض نفقات التسلح، ويحرِّم القنابل الذرية المبيدة للناس بالجملة. وكان هذا الموقف مستغرباً من رجال الدين ومناقضا لرسالتهم التي هي قبل اي شيء آخر رسالة السلام اي: رسالة الوقاق بين الناس وبين الدول المسئولة عن إلحرب والسلام. وانصار السلام لا يطالبون بغير هذا. وقدكان موقفي الايجابي من هذه الحركة، وكتاب « ..وعلى الارض السلام » موضوع محاكمة دينية في « بكركي » صدر بنتيجتها قرار بحبسي مرتاضاً خمسة عشر يوماً في دير »الكحلونية » وعندما سألني احد القضاة: لماذا انت ضد  » الدفاع المشترك » ونحن معه. اجبته: « لاني انا مع المسيح ولست مع الشيطان » هذه قناعتك، وهذه قناعتي.. وقناعتي هي ملكي، وجزء من ايماني.
21 من تصريح ل « مارين » حاكم بنسلفانيا – الولايات المتحدة.
22 كان هذا الكتاب احد الكتب التي صادرتها زبانية الدولة، من دار النشر، ومن بيت المؤلف.
23 احد الحكماء.
24 حديث شريف.
25 علي بن ابي طالب.
26 الانجيل الشريف.
27 جبران خليل جبران.
28 راجع مقدمة الطبعة الثانية صفحة 13 من هذا الكتاب
29 الشرق الادنى هو الاسم الذي يطلق على ما يحاذي المتوسط من بعض دول آسية الغربية : شمال تركية، قبرص سورية، لبنان، فلسطين، مصر.. والشرق الاوسط هو الاسم الذي يطلق على بعض مناطق آسية الجنوبية الغربية وغيرها: تركية، ايران، العراق، فلسطين، الاردن، لبنان، سورية، السعودية، اليمن، اتحاد الامارات العربية، الكويت، قطر، البحرين، السودان، مصر.. وقد تعتبر افغانستان وباكستان من الشرق الاوسط، وهذه المناطق هي الجسر الجغرافي بين آسية وإفريقية واوروبة.