خماسيات من الفردوس الارضي

الاب طانيوس منعم
 
خماسيات
من
« الفردوس الأرضي »
 
كانون الثاني 1982
 
 
—————————–
مشاريع قصائد ، أو مطالع ملاحم . ما قرأت واحدة إلا تحرقت شهوة إلى مزيد . فما يكاد الأب طانيوس منعم يضع الكاس على شفتي ، حتى يُبعدها ، وأنا في أول الجرعة !..
 
ترى ، لماذا كان بخيلاً ؟
في تصوري أنه وهو في « الفردوس الأرضي » بلاد الاتحاد السوفياتي ، كان غارقا في لجج من الدهشة والإعجاب . فكانت له على أمواج اللذة قفزات عصفور، وهو الذي لم يعتد إلا سبحات النسور..
فعل بنا ، نحن قارئيه ، ما فعلته به البلاد العظيمة التي زارها.
كانت تتخاطفه المشاهد ، وتتجاذبه المشاعر.
أرأيت يوما ، عطشان يشرق بالماء العذب؟ فيتوقف عن الشراب ، ويكتفي منه بنغبة؟
مبارك هذا العطش !
ومبارك هو الماء العذب !
ومباركة بين الاثنين الغصة ..
 
كامل درويش
6
 
حقيقة إنسان
 
 
حملت حقيبتي ، وحثثت سيري
نطير معاً١ إلى البلد الصديق
 
لقد أحببته فكراً وقلباً
و عانقت الصديق مع الرفيق
 
فمخزون «الطريق »۲  وما احتواه
من الأدب المنير ، غدا طريقي
 
وما أوحى به ديني وعقلي
قدِ استَوَيَا بإنسان حقيقي
 
فيا أسرى الظلام بكل أرض
على طغيان ظالمك استفيقي
 
(١) كنت ثالث اثنين : حبيب صادق ، وأبو رفيق
 (۲) مجلة الطريق التي أسسها أنطون ثابت سنة ١٩٤١
 
7
 
وطن الصداقة
 
ركبت بنا متن الهواء ذليلا
تطوي الفضاء إليه1 ميلاً ميلا
 
بسطت جَناحَيْها تغذ مسيرها
وتشق في قلب الغيوم سبيلا
 
قصُرَ الزمان ، كأنما هو لحظة ..
أَدْنَت – على بُعدِ المكان – وصولا
 
شوقي إلى بلد السلام وأهله
حلم به كان اللقاء جميلا
 
وطنُ الصَّداقةِ لا تَمَسَّ تُرابَه
إلا لتشبع أرضها تقبيلا
 
(۱) الى الاتحاد السوفياتي في ۱۹۸۱/۹/٥ بدعوة رسمية من اتحاد الكتاب
 8
 
 
مصير خائن
 
 
قتلوه عمداً، من تعمد خائناً ۱
قتل البلادِ ، ومحو عبد الناصر
 
حَقَرَته ثائرة الشعوب ، وهَلَّلَت
طرباً لموت التافه المتآمر
 
« بطل العبور » إلى خيانة شعبه
يا للعدالة !! مات ميتة عابر
 
فانهد « إسطبل الذئاب » ۲ وهالهم
أن العروبة لا تذل لفاجر
 
ستظل مصر ، وكلٌّ قطر ثائراً
ونظل في لبنان قلب الثائر
 
(۱) محمد أنور السادات ، وقد أعدم بيد أحد ضباط الجيش المصري في
۱۹۸۱/۱۰/۷                              
(۲) مشروع « كامب دايفيد » الاستسلامي
9
 
الجنوب والشمال
 
إن هفا شوقي الحميم جنوبا(۱)  
لا تلمني .. فإنَّ فيه « حبيبا » (۲)
 
أنتما بين جنَّتَينِ : فهذي
من مياه ، وتيك تنفحُ طيبا (۳)
 
يا رفيقي .. لستُ عنكم بعيداً ..
أو غريبا .. فلستُ قط غريبا
 
إن ذاك الجنوب يحفر في قلبي
كلوماً .. ويستثير الخطوبا
 
والرياح التي تهب شمالاً
اليس تجدي ما لم تهب جنوبا(٤)
 
(۱) اشارة الى جنوب الاتحاد السوفياتي .. (۲) حبيب صادق
 (۳) اشارة الى المترجمة « جانا ماناسيان » .
(٤) اشارة الى الجنوب اللبناني
 
 
١٠
 
الفردوس الأرضي
 
هل رأيت الفِردَوسَ في الأرض يوماً
أم رأيت السماء أرضاً بهيه ؟!
 
أغريباً تراك ما بين قوم
أنت جزء منهم ، وأنت القضيه ..
 
أكئيباً ؟ ومن حواليك تهفو
في انبساطٍ حمائمٌ بشريه
 
أفأنتَ السعيد وحدك ؟! كلا ..
إنما نحن في الهناء سويه١
 
كل هذا وكل ما تتمنى
تبتغيه في موطن الأمميه2
 
(۱) بتقدير « على » : على سوية من أمرنا
(٢) الاتحاد السوفياتي
 
11
 
جمال الغاب
 
أي عرف يدغدغ الأنف في الغاب
وأي الجمال .. لا تهواه ؟!
 
في بساط منجَّمٍ سهَّمته
باسقاتٌ ليست لها أشباه
 
نمنمته الأنداء أخضر هفّاً
فاحتوى من بريقها ما احتواه
 
كنت منه في نشوة الروح حتى
قد غفا ناظري، على مرآهُ
 
وتهادى الحلم الكبير ، ذَهِيباً
فاستوت في نجيّتي نجواه
 
(۱) غاب المستشفى المركزي وقد غطى الثلج الأرض ونمنم رؤوس
الأشجار والأغصان .
 
١٢
 
الخريف
 
في أخضرار الغصون، في الشجر العاري
التماعٌ على أكفّ الغُصون
 
أفتدري ، كم لوحةٍ من جمال
نمنمتها عوالمٌ من فتون
 
وحفيف النسيم لفْحُ صقيعٍ
و ارْمداد السماء كحلُ جفونِ
 
إن دنيا عطفتُ روحي عليها
هي دُنيا الخريفِ في تشرينِ1
 
وتمنيت أن تدوم حنيناً
في ضميري، ورؤيةً في عيوني ..
 
(١) أجمل فصول السنة في عاصمة الاتحاد السوفياتي هو فصل الخريف
 
١٣
 
الحمامة
 
حول « البحيرة » كنت ذات مساءِ
وَوَدِدْتُ لو أني أطلتُ بقائي
 
تحنو الطيور عليَّ تأمَن جاني
وأنا ، بجانبها .. أليف إخاءِ
 
تلك الحمامةُ، لا تفيض وداعةً
إلا لطيب لقائها بلقائي
 
غطّت على كفّى ، فنازعها الهوى
وهفوتُ ، أَبصرُها ، تطوف إزائي
 
فهل الحمائم كُلُّهنَّ كمثلها
أم تلك واحدةٌ ترومُ هنائي ؟!
 
١٤
 
البحيرة
 
تلعابةً ، بالأمس ، كنت أراكِ
وهواكِ ينعشني بطيب هواكَ
 
تتموَّجين ، وما لموجك هدأةٌ
والناجعون يسرُّهم مرآكِ
 
أفقدتِ سرَّ الحب ، وهو حرارةٌ
فغدوتِ جامدةً بغير حراكِ ؟!
 
إني على كبر السنين ، وكِبرُها..
ما زال يعقِدُني الهوى بشباكِ
 
حب الحياة يزيدني كلفا بها
و أظلَّ من كلفي بها، ألقاكِ
١٥
 
مناجاة
 
مدى بصري، نظرتُ، صباح يومٍ
 تجلببَ بالضباب وميضَ ماءِ
 
أثلجٌ ما تراه ، كما تَراه ..
منمنَمةٌ تُبين لعينِ راءِ
 
وكالنحل النشيط إلى جناهُ
مواكبهم تهبُّ إلى العطاءِ
 
فبيين بياض ساحتهم ، ونفسي
مناجاةٌ ، تنم على الصفاءِ
 
لقد صنعوا السلام لعاشقيه
كما صاغوا العلاج لكلِّ داءِ
 
١٦
 
 
طيور الحب
 
أمسجونةً ، تهوى الحياة ، وتعشقُ؟
وتلهو ، على أيك الهوى.. وتُزقزقُ
 
لقد ملأت جوَّ الحديقة نشوةً
بأجود ما يحكيه لحنٌ ومنطقُ
 
يُلاثمُ بعضٌ بعضها ، في شجاعةٍ
وتجمعها النُّعمى .. فلا تتفرَّقُ
 
إذا ضاقت الأقفاص بالطير مسرحاً
فعين الغيارى بالمحبين أضيقُ
 
طيور الهوى، من طبعها لعبة الهوى
فلا هو مشتاقٌ ولا هي أَشْوَقُ
 
 
١٧
 
الحقيقة تتكلم
 
مرضاك، أم مرضى الشعوب، تضمُّها
في جانبيك مهيضة تتألمُ ؟!
 
سُفِحت دموع البائسين ضحيةً
للطامعين بهم .. كما سُفح الدمُ
 
لبسوا القناعَ فشفَّ عما تحته
فإذا وجوه المجرمين هم .. هُمُ
 
ما أنت ؟! ويح السائلين ! أما دروا
أَنَّ الحقيقة كيفَ لا تتكلَّمُ ؟!
 
فلأنت تصنعُ للشعوب سلامها
ولديك تحتضن السلام وتنعمُ ..
 
١٨
 
فاتنة الغاب
 
« يالُّ » ١ ، يا فاتنة الغاب
ويا ملهى الطيورِ
ونسيج الفضة النابت
في « تلِّ » « الغدير » ٢
 
تبسط الراح لذي
الراحة مغموراً بنور
 
بورك الغارس ، بل
بوركتِ يا أختَ الدهور
 
فبعطفَيك فؤادي
وبذكراك شعوري
 
(۱) شجرة صنوبرية شبيهة بشجرة الأرز قامة وأغصاناً وفروعاً
(٢) البحيرة القائمة في الغاب ، وحولها تلال ترابية مصنوعة .
 

 
السنديانة الخضراء
 
حبي لتلك السنديانة في القرى١
حبي لمدرسة ، لها تذكارُ
 
مدت إلى الأفق الرحيب غُصونها
خضراً ، كأن لها الفضاء مدارُ
 
في فيئها ابتعث التراث أئمَّةٌ
شعت لهم خلل الدجى أنوارُ
 
هذي الفروع من الجذور عروبةً
وأصالةً ، ليست لها أعمارُ
 
سنموت يوماً ، والزمانُ كأمسِه
والسنديانة نفسُها آثارُ
 
(۱) قرى لبنان .
٢٠
 
الصقيع الدافىء
 
صقيعُكِ دفءُ الروح يخشاه حاقدُ
ويألفه الحر الشجاع المجاهدُ
 
إذا افتقدتْ نفسٌ حرارةَ حبّها
فليس له شأنٌ مصلِّ وعابدُ :
وكل مآتيه سفاهٌ وخسَّة ..
ويُؤمن أنَّ اللهَ في الخلق خالِدُ
 
عجبت لمن يغتر بالدين مظهراً
وقد ملأت منه الجيوب المعابدُ
 
تنزَّهَ ربي ، خالداً ، في خليقةٍ
تشوِّهها من « عابديه » المفاسدُ
 
(۱) صقيع موسكو
۲۱
 
صديق العرب
 
وحدي ! وما أنا وحدي أنتشي طربا
والعين تُبصرُ في أمدائها العجبا
 
ليس الحضارة أن تسمو «نواطحُها»
وأن يظل بها الإنسان مغتربا
 
وما الأعاجيب في كبرى مصانعها
ما دام يُحرمُ فردٌ كل ما طلبا
 
ذكرت قومي ، وفي ذهني معادلةٌ
لا تستبينُ إذا لم أذكرِ السببا
 
هذا الصديق الذي جلّت صداقتُه
عن كل شعبٍ سواه صادقَ العربا
 
٢٢
 
العيد الأمَمي
 
وطِئتُ أرضك مزهوا بما ابتدعت
هذي الحضارة للإنسان من قيمِِ
 
عايشت عندك أياماً ، لها ألقٌ
فحسبُه ، أَنه في بُعدِه أمَمي
 
هذي الأهازيجُ، والأعلامُ خافقةٌ
حمراءَ منسوجةً ، مصبوغةً بدمِ:
 
دمِ الملايين : من شادوا لهم وطناً
أمثولةٌ أصبحت نُطقاً لِكُلِّ فمِ
 
يَهنيك أنك تبني للحياة .. وهُمْ
يبتون للموت … في دنيا مماتِهِمِ
 
٢٣
 
أُوكتوبر
 
ما تشتهي أنت ، أو ما تشتهي الأممُ
أَلَّا يَظَلَّ لهم ، في أرضها ، قَدَمُ
 
« اوكتوبر » فجر في «الدارين» ثورته١ فاستسلمت نُظمٌ واستبسلَتْ نُظمُ
 
علَّمت كيف يشيد الشعب دولته
و « القيصريون » في تاريخه عدمُ
 
فكل شعب جريح صرت بلسمه
وكلُّ جرحٍ على نجواك يلتئمُ
 
ومن يكافح دُعاة الموت منتصرٌ
فرمز ثورتكَ العظمى لَهُ عَلَمُ
 
(1) في الذكرى الرابعة والستين لثورة اوكتوبر
٢٤
 
قصور القياصرة
 
هذي قصورُهُمُ القلاعُ متاحفٌ
تحكي حكايات الزمان الغابرِ
 
كانوا ملوكاً مترفين ، وسادةً
فجَروا ، فحقٌ لهم عقاب الفاجرِ
 
توحي شخوصهم الجوامد أنها
عظةُ الدهور لكل حكم جائرِ
 
فهتفتُ في نفسي لشعب ثائرٍ
يبني حضارته بروح الثائرِ
 
وغَدُ الشعوب ، بأم عيني ماثلٌ
وطغاته أثرٌ كأمسِ الدابرِ
 
٢٥
 
حدائق الأطفال
 
ملوكهم أطفالهم ، في حدائقٍ
تصوِّر هذا الشعب كيف يُجدَّدُ
 
لهم نعمُ الدنيا التي يملكونها
بُناةً لدنياهم ، كما لهم الغدُ
 
إذا أدرك الإنسان علم وجوده
فليس له إلا الوجودُ الممرَّدُ
 
شهدت قصورَ الظالمين متاحفـاً
وشِمْتُ قصورَ الشعب كيف تُشيَّدُ
 
لعلي أرى أطفال قوميَ في غدٍ
تُربَّى على أمثالهم ، حينَ تُولَدُ
 
٢٦
 
تمنيَّات
 
يا ليتني ، ما كنتُ قبلا
وغدوتُ، هذا العمر كهلا
 
مَرحُ الطفولة ما حييتُ
هناءَه ، جزءاً وكلاَّ
 
قمعٌ ، وسوءُ رعايةٍ ، جمٌّ
فليس الأهل .. أهلا
 
يا ليت أني نطفةٌ
لم تتَّخِذ في البطن شكلاً
 
لأكون طفلاً في « بلادٍ»
تُبدعُ الإنسان طفلا
 
۲۷
 
 
الأورورا
 
ترسو إلى شاطىء «النيفا» كشاهدةٍ
أن الدياجير منها الفجرُ ينبلجُ
 
تَروي ملاحم شعب قاده بطلٌ
فعبْقَرَ الفكر، في ما خطَّ .. وانتهجوا
 
فالثورة البكر في مرآة مُبدِعها
رنت إليها شعوبٌ … عصرها تلِجُ
 
هذي المدافع تُوحي أَنها حَدَثٌ
تحيا به أممٌ شتَّى .. وتبتهجُ
 
فما حضارتها تبنى مُمردةً
إلا إذا نسجتها مثلما نَسُجوا
 
«الأورورا» السفينة التي أطلقت أول مدفع على قصر الشتاء معلنة الثورة
 
۲۸
 
الْحَقِّ أَغْلَبُ
 
أعمرك « ستينٌ » ؟! أجبتُ.. ونيفٌ
فما العمر أرقاماً تُعَدُّ، وتُحسَبُ
 
وما فلَّ رقم العمر غَرْبَ عزائمي
ولو أَنَّ رأسي أنزعُ الشعر أَشيبُ
 
فروحي ، لا عمر لَدَيها مُزامنٌ
وعاقلتي وعيٌ نشيطٌ ، مجرَّبُ
 
أعايش هذا الدهر ، في كلِّ ما بهِ
وفَأَليَ أَنَّ الحقَّ ، لا شك، أغلبُ
 
وخالجتي الإنسانُ في كل كوكب
ينير له دَرْبَ السعادة كوكبُ
 
(1) على الحكاية
٢٩
 
ذكريات
 
هي الدنيا وجدت بها حياتي
كما ألقى بها ، يوماً ، مماتي
 
وأحسَبُها من « العُمرين » خمساً
أعايشها كأبهي ذكرياتي
 
فعام عرفتُ ربي غير ربٍّ
له ولَعُ العجائز بالصلاةِ٢
 
وعامَ وعَيتُ ثورة كلِّ شعبٍ
وعام رأيتُ٣ مقبرة الطغاةِ
 
وعام بقيتُ حياً أرتجيه
لعامٍ آخرٍ ، لا شك ، آتي
 
(۱) أي الثمانين عاماً
 (۲) اشارة الى عبارة  » لنعوم مكرزل ». « يؤمنون ايمان عجائز الأرز »
(۳) رؤية علم ورؤية حلم
 
٣٠
 
مشفى الصداقة
 
« نينا » ۱ ترُفُّ مريضَها بعنايةٍ
وتُحَبُّ زائرة لكل مريضِ
 
إشراق بسمتها ، ودِفءُ سؤالها
قربان عافية لكل مهيضِ
 
بشرٌ خلائق ، صوغهنَّ وداعةٌ
ومحبةٌ ، تُزري بروح بغيضِ
 
إن أظلم القلب الشقيُّ بدائه
يسطعن تحناناً ، بألف وميضِ
 
مشفى الصداقة للشعوب جميعها
لا فرق في سودِ الوجوه و بيضِ
 
(۱) الدكتورة « نينا بتروفنا» المشرفة على معالجتي في مستشفى الصداقة.
 
۳۱
 
الداء الأخر
 
تُمسِّجني١ لمساً رفيقاً على الظهر
دقائق إن عدت تزيد على العشرِ
 
وتقرُصني آنا .. بلين .. وشدّةٍ
وآناً تداويني الأنامل بالنقرِ
 
وتمسحُني مَرْياً ، بباطن كفها
و تنسحب الأخرى اقتفاء على الإثرِ
 
وتسألني : نلت انتعاشاً وراحةً ؟
ووردتُها تُحيي .. وبسمتها تُغري.!
 
فقلتُ : نزعتِ الداء من كل مفصلٍ
ولكن داءً آخراً في دمي يسري ..
 
(۱) اشتقاق تعريب لكلمة : « Massage »
 
٣٢
 
 
ديني
 
 
ما يقولُ «العابد» والدين –
بما يعني ١ .. طقوسُ !
 
إن رأى بَشَراً تشقى
لتستعلي رؤوسُ !
 
أهو الدين صلاةٌ ..
وشيوخ .. وقسوسُ !
 
ليس ما يعنونه  » ديناً « 
به تحيا النفوس
 
إن ديني خُلُق فَذٌّ
وأعمال شموسُ
 
(۱) بما يعنيه العابد
 
۳۳
 
الفاشية الحمراء
 
ما يقول القلب للخنجر
إن ينفذ إليه
 
ما يقولُ الطير للصيّاد
إن يُطلق عليه ..
 
ما يقول الأب للسفّاح
مختالاً بنيهِ
 
ما يقول القلم الحرُّ
لطغيان السفيه ..
 
إنها الفاشية الحمراء ..
وَجهاً في وُ ُجوهِ
 
٣٤
 
 
تحقيق الذات
 
ما يقول الكادح الملتاعُ،
في سالب قوتهْ ؟
 
ويقول العامل الواعي
لمأساة حياتهْ ؟
 
 
ما يقولُ الشارد المفجوع
في ذلِّ   شَتاتهْ
 
ويقول الوطن المجتاحُ،
في بَغي عداتهْ
 
أنا كونٌ ثائر البركان
تحقيقاً .. لذاتهْ ..
 
 
٣٥
 
 
خَلَفُ السَلف
 
ما يقولُ النافخ في الحرب
بروح العنصريهْ
 
يُرهب الكون بمن أصبح
للكون قضيَّهْ
 
أهو السلم – كما يزعم –
إفناء البريهْ
 
إنَّ هذا الحاقد المهذار
خَبْءُ «الهتلريهْ»
 
خلفٌ للسلف المجنونِ
من ذات الهويهْ
 
(۱) الاتحاد السوفياتي .
 
٣٦
 
 
عابد الاصنام
 
يقولون : بدَّدَ أوهامه
وأسلم للموت ظلامهُ
 
وعاف الهوان ، وشكوى الهوان
و قبح « النظام » .. وآثامهُ
 
وقالوا: وعى حقه وانبری
يجرد للحق صمصامهُ
 
وبالوعي طهَّر وحي الضمير
وبالعلم ذَهَبَ أحلامهُ
 
فكُلُّ ما روَّجوا باطل
إذا ظل يعبدُ أَصنامهُ ..!
 
٣٧
 
 
عابد الأجداد
 
وقالوا : شريف بأجدادهِ
وإرث القديم وأمجادهِ
 
فأيُّ « مجيد » لهذا الغبي
وأي انتفاع بميلادهِ
 
سوى أنه آكل ، شارب
ومن زادِنا مُجتبي زادهِ
 
وقالوا : زعيمٌ له سطوةٌ
وجمهوره بعض عبّادهِ
 
فما يعرف الشعب حريةً
إذا ظل عابد أجدادهِ
 
۳۸
 
 
عدوي
 
زرعت فؤادي نبضة إثر نبضةٍ
بخافق أهل الأرض أطوي به الأرضا
 
وأحببت كل الثائرين ، كأنني
أنا بعضُهم ، أو أصبحوا مني البعْضا
 
إذا اغتبطوا كانوا لنفسي غبطة
وإن غضبوا كانت لهم نفسي الغضبى
 
أنا أممي فكرة ومناقباً
إذا اسودَّ وجه أو إذا آخر ابيضَّا
 
عدوُّ بني البؤسى عدوُّ عقيدتي
أضيق به حباً ، وأوسعُه بُغضا
 
٣٩
 
 
الكنيسة الروسية
 
كنيستهم روح الإله ، جماعةٌ
مسالمة ، لا تحب الدين مظهرا
 
فتبني نفوساً برَّةً .. لا حجارةً
تعودُ لعُشاق «المذاهب » متجرا
 
مناقب مخلوق به  روح خالقٍ
وليس له عذر الحروب ، فيُغدَرا
 
لها دورها حراً ، لشعب مظفَّرٍ
يصير به سلم الشعوب مظفًّرا
 
ومسلكها يمتاز ، ديناً ، بأنها
خليفة شعب ، لا حليفةُ « «قيصرا »
 
٤٠
 
 
كنيسة الشرق
 
في الشرق، في أرض « أنطاكية » نشأتْ كنيسةٌ سطعت نوراً على الزمنِ
 
وحاول الغرب» أن يُلغي هويتها
فأغرق «الشرق» عبر الدين ، بالفتن
 
مهد الحضارات ظلَّت بنت شعلته
أصيلة الذات تستعلي على الإحنِ
 
وصحّة الرأي أن تبقى رئاستُها
في مهد منبتها، في الروح ، في البدن
 
ولا ترى الوحدة العصماء « ليتَنَةَ » فمجدها نابع من تربة الوطنِ
 
٤١
 
 
المصلوب
 
عصابةٌ من بني صهيون ، باغيةٌ
فعاقبته ، عقاب  المفسدِ الخطرِ
 
فمات فوق صليب ، قدَّ من خشبٍ
ومات فوق صليب ، قد من حجرِ١
 
قد افتدى بدماه كل مضطهدٍ
فكان أَوَّلَ فادٍ من بني البشرِ
 
حبٌّ هو الموتُ يُزري بالحياة ، لكي
يميت كل ظَلومٍ عاهرٍ أشِرِ
 
بالأمس قد صلبوه مرَّةً حذراً
واليومَ يُصلَبُ ، تكراراً . بلاحذَر
 
(۱) قلوب الناس
 
٤٢
 
 
السنديانة الحمراء
 
سبع وخمسون مرَّت، وهي صامدةٌ
ترسُو جذوراً.. وتنمو قوَّة ومَدَى
 
في ساحها ، انتحرت حقداً ، وموجدةً عصابة الناهبين ، الشعبَ والبلدا
 
فالسنديانة ، في اخضيرارها اصطبغت بالاحمرار ، غذاءً . . من دَم الشهدا
 
ما عمرها ؟! عمر شعب في مسيرته
إلى التحرر .. في ما يبتغيه .. غدا
 
حُيّيتِ ممن وعى ، حقا ، قضيَّته
فأنت خالدةٌ، في وعيه ، أبدا ..
 
٤٣
 
 
عيد الاستقلال
 
غنّيتُ يومَك مذ أَشرقت يا عيدُ
كم استطابت لنا فيك الأناشيدُ
 
هذي العقود التي مرت على وطن
 
للحكم في كف أهليه المقاليدُ
 
ما شأنها اليوم ؟ إلا أن نجدّدها
وأن يكون لمعنى الحكم تجديدُ
 
حكمٌ للبنان ، كلاً في توجهه
للشعب في ظلّه رأيٌ .. وتوحيدُ
 
فما أريقت دماءٌ فوق تُربته
حتى تعود ، كما قد عُدت ، يا عيدُ
 
٤٤
 
 
مجاهد!!
 
تُجاهِدُ حقاً ! أم تجاهد باطلاً
فما برح الإسلامُ يبغي جهادكا
 
تُمهّد للأعداء في كلِّ خُطَّةٍ
طريقاً إلى نحر العروبة ، سالِكا
 
لأنت صديقُ السالبين شعوبَهم
لنهب شعوبٍ ، أو ليبنوا ممالكا
 
وقِبلتك « البيت الحرامُ » تعبداً؟!
لتحميَ « بيتَ الله » أم بيت مالِكا
 
فمن يخُنِ القدس الشريف مُصهيَناً
يمت بيدِ الشعبِ المحرِّر هالِكا
 
٤٥
 
 
نفط العروبة
 
نفط العروبة «محسوبٌ» على العربِ
فسالبوه ملوكُ المال .. والذهبِ
 
ينصبُّ ، وهو ، على أصحابه ، حممٌ
تغدو به الأرض أكواماً من الخِرَبِ
 
واستكلبَ « الحلْفُ » معتدّا بسطوته
لا يستقر على حالٍ من الكلبِ
 
ولا حياءَ لمن تصحو عروبته
باسم «الجهاد» على ضَرْبٍ من الكذبِ
 
فليس للعُربِ إمتاعٌ بثروتهم
حتى تُحرَّر من أنياب مغتصبِ
 
٤٦
 
 
مأساة شعب
 
وطني لبنانُ ، في تاريخهِ
مأساةُ شعـبِ
 
الأرض، عمالٌ وفلاحون
في عيني وقلبي
 
والماءُ والشجرُ الرفيفُ
وكل ريح في مهبِّ
 
ورفاق أقلامٍ تخطُّ
وتُبدع الأدب المربّي
 
والطيبون العاملون
لوحدة الوطن الأحبِّ
 
٤٧
 
 
هَدهَدَة أمل
 
سأعود ، أستافُ التراب
أرفه، شمّا وضمّا ..
 
نُعماه سرُّ هَماهِمي
أجتافُها همّا ، فهمّا
 
أحيا بثائرة الشباب
وإن أكن في العمر هِمّا
وأغوص في الحلم الذهيب
أهدهِدُ الأمل الأتمّا
 
وأرى السلامة والسعادة
تنفح الجبل الأشمّا
 
٤٨
 
 
بطولة
 
أعودُ ، لأحيا كلّ مأساة موطني
و قد كنتُ أحياها، بعيداً، بأفكاري
 
فما صكَّ سمعي هول «لغم» مدمّرٍ
وما أبصرتْ عيناي تقتيل أبرارِ !
 
وأستنشىءُ المذياع في كلِّ فَينَةٍ
عسى أن تنير النفس شعلة أخبار
 
فكم أسرةٍ ، عانت شتاتاً ومحنة ،
وكم من شهيد ، مات ميتة أحرارِ
 
يُقبِّل ثغري جُرحَ كلِّ مقاتل
وتنعش آمالي بطولةُ ثوارِ
 
٤٩
 
 
البلد المضياف
 
ليالٍ سهرناها نغني ونمرحُ
وكان لنا من لهونا ما يُفرِّحُ
 
وفودٌ .. وفودٌ ، تلتقي ، أمميّةٌ
لها النزلُ مشفىً، أو لها الأرضُ مسرحُ
 
هو البلد المضيافُ شعباً ودولةً
وليس له غير الصداقة مطمحُ
 
بناةٌ على سيمائهم عزمُ قادَةٍ
تكافحُ من يهوى الدماءَ ، فيسفَحُ
ومنهجهم في كل ما يُبدعونه
ينمُّ على حب الحياة ويُفصحُ
 
٥٠
 
 
ربيع العمر
 
حان الرحيلُ ، فهاجني الشجَنُ
شدْواً .. ولكن شاقني الوطنُ
 
طاب المقام ، فرفني خُلُقٌ
وصفا المناخ ، فحفّني السكنُ
 
وتشدني الذكرى إلى بلدٍ
ترتادُه الذكرى .. وتحتضنُ ..
 
عايشتُه شهرينِ من زمنٍ
فربيعُ عمري ذلك الزمَنُ
 
وطن الصداقة ، كُن به كلفاً
إن الوفاء لديه مؤتمنُ
 
٥١
 
أعاجيب
 
هكذا يُبدعُ الصمود الأعاجيبَ
ففي كل بدعةٍ أُعجوبهْ
 
فوق « صنين » في شواطىءِ «صورٍ»
فوق « أرنونَ » في القُرى المسلوبهْ
 
إنَّ هذا الجيش العميم من الثوار
عمٌّ بالتضحيات الرهيبهْ
 
بالبطولات .. فالمنايا لديهِ
هي ، في كل لحظةٍ ، ألعوبهْ
 
قمة «الأرز» عانقت « جبل الشيخِ »
وكلٌّ قد استبان دُروبهْ
 
۵۲
 
 
مذهبٌ مُعجب
 
غداً يلوموني ، لمْ أذهبُ
إلى بلد ما له «مذهبُ»
 
ويعنون بالـ »مذهب » ما يؤمنونَ
كما يؤمن الساذج الأشيبُ
 
رأيت شعباً لم أَرَ مثلَه
يُحِبُّ .. ويبني كما يرغبُ
 
رأيتُ السلام وصُنّاعه
فإنسانه وادعٌ طيبُ
 
رأيت أناساً بلا « مذهبٍ »
ولكن مذهبهم يُعجبُ ..
 
٥٣
 
مُرافقى
 
« جانا » ، مرافقتي التي أحببتها
وتظلُّ في عيني مثال جمالِ
 
فهي الصديقة ، كلما عاشرتُها
أصبحتُ أُبصرها بغير مثالِ
 
رقَّت عواطفها ففي بسماتها
إشراق إجلالٍ ووحي كمالِ
 
إن كنتُ في لبنان ، وهي بعيدةٌ
عني ، تكون قريبةً بخيالي
 
وأودُّ لو أني أزور بلادَها
لغدٍ ، وألقاها بأسعد حالِ
 
٥٤